المفكرالعربي الأستاذ أحمد كرفاح ٠٠
طبعا كان قد تأسس مجلس الأمن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية 1939ـــــ1945 ، ومنذ ذلك الحين تغيرت الكثير من الحقائق الجيوسياسية جذريا، لكن المجلس لم يتغير إلا قليلا.
هذا طبعا بعد أن كان قد صاغ المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ميثاق الأمم المتحدة وفقا لمصالحهم الضيقة حيث خصصوا لأنفسهم المقاعد الدائمة وما يرتبط بها من حق النقض الفيتو٠ هذا طبعا وبعد 20 سنة، ظهرت أول وآخر عملية إصلاح ملحوظ بمجلس الأمن عام 1965، عندما زاد أعضاء الدول غير الدائمة بالمجلس من ستة دول إلى عشرة دول أعضاء. وبعد 27 سنة أخرى، يعني في عام 1992، أي بعد شهور قليلة من سقوط الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر من عام 1991 من الخارطة السياسية، عادت مناقشات إصلاح مجلس الأمن مرة أخرى إلى السطح، حيث عقدت أول قمة تاريخية للدول الأعضاء بالمجلس وكان من بين أهدافها إعادة هيكلة منظومة الأمم المتحدة والاعتراف بحقائق العالم المتغير٠
هذا طبعا وفي منتصف سبتمبر من عام 2008، بدأت الدول الأعضاء بالجمعية العامة ما سمته بـالمفاوضات الحكومية الدولية بشأن إصلاح مجلس الأمن ، وهي عبارة عن مفاوضات غير رسمية تجرى بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بهدف تقريب وجهات النظر بشأن سبل المضي قدما في عملية الإصلاح. حيث يتم تجديد هذه المفاوضات سنويا، من خلال قرار تصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية كل دورة جديدة. هذا طبعا ويتألف مجلس الأمن حاليا من 15 دولة، منها 5 دائمة العضوية هي الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، و10 أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي. ويجب أن تحصل الدولة المنتخبة على أصوات ثلثي الدول الحاضرة لجلسة الجمعية العامة من أجل الحصول على العضوية المؤقتة. هذا طبعا وتبقى الحقيقة التي لا غبر عليها تقول بأنه ومنذ ما يقارب ربع قرن، لم تتوقّف المحاولات لإصلاح مجلس الأمن الدولي، أبرزها العمل على تقييد حق النقض، أو ما يُعرف بـالفيتو ، وهو حق الاعتراض على أي قرار يقدَّم إلى مجلس الأمن، من دون إبداء أسباب موجبة، من جانب الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس طبعآلولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا والصين٠ هذا طبعا وهي تتعهّد الولايات المتحدة بالعمل من أجل إصلاح مجلس الأمن الدولي، وتوسيع عضويته، على نحو يؤدي إلى استيعاب الحقائق العالمية الحالية، ووجهات النّظر الأكثر تنوعاً جغرافياً٠
هذا طبعا وتطرح الولايات المتحدة اليوم خريطة طريق من 6 مبادئ لإصلاح مجلس الأمن، فالمبدأ الأول فيها يتعلق بالدفاع والتصرف بصرامة للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة. أما المبدأ الثاني فيتعلق بعزم الدول الأعضاء التصدي للتهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان، بصورة عملية. أما المبدأ المبدأ الثالث فيتعلق بالامتناع عن استخدام حق النقض الفيتو إلّا في حالات نادرة، وغير عادية. أما المبدأ الرابع، فيتعلق بأعضاء مجلس الأمن أي يجب أن يكونوا قادة عالميين في دعم حقوق الإنسان، في الداخل والخارج، وأن يُظهروا روح القيادة في هذا الشأن٠ هذا طبعا وينصّ المبدأ الخامس على تعزيز التعاون والشمولية والشفافية داخل مجلس الأمن. وسادساً وأخيراً، ينبغي، وفق غرينفيلد، للمجلس أن يعكس، بصورة أفضل، الحقائقَ العالمية الحالية، وأن يضم وجهات نظر أكثر تنوعاً جغرافياً. هذا طبعا ولعلّ أبرز هذه المبادئ هو البند الثالث المتعلق بالامتناع عن استخدام حق النقض إلّا في حالات نادرة وغير عادية. وهنا، شدّدت المندوبة الأميركية على أن “أي عضو دائم في مجلس الأمن يمارس حق النقض للدفاع عن أعماله العدوانية، سوف يفقد سلطته المعنوية، ويجب أن يحاسَب٠ هذا طبعا ومنذ عام 2009، استخدمت روسيا 26 مرة حق النقض، وفي 12 منها انضمت إليها الصين، بينما استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 4 مرات فقط. لكن الدبلوماسية الأميركية لم تذكر أن بلادها استخدمت حق الفيتو أكثر من 40 مرّة لمصلحة إسرائيل في الفترة بين عامي 1973 و2017.
هذا طبعا وتلجأ الولايات المتحدة الأميركية، من خلال مقترح إصلاح مجلس الأمن، إلى استخدام أساليب دبلوماسية، وذلك بعد أن ابتعدت عن الحل العسكري بسبب الردع النووي للدول التي تواجهها، مثل روسيا والصين. كما أنه كثيراً ما لجأت الولايات المتحدة في الماضي إلى استخدام القوة، وصمتت عن استخدام بعض حلفائها لها، أو دعمتهم عبر استخدام حق النقض. والدليل على ذلك هو التصويت لمصلحة إسرائيل طبعا وغزو العراق و ليبيا وغيرهما. ومع هذا طبعا يبقى القول بأنه لحد الآن لا يوجد مشروع حقيقي لإصلاح مجلس الأمن الدولي. علما بأن الولايات المتحدة الأميركية تشعر حالياً بأنّ الباب مسدود أمام مشاريعها في مجلس الأمن، بسبب معارضة روسية صينية وبعض الدول الأخرى الأعضاء في المجلس٠ كما مشروع القرار الأميركي يمكن القول بأنه غامض إلى حدّ كبير، فالولايات المتحدة الأميريكية لا تريد ضم عدد كبير من دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وإنما تريد طبعا أن تستخدم أصوات الدول لكي تربح حرباً خسرتها في أوكرانيا٠
ومع هذا طبعا يبقى إصلاح مجلس الأمن من المواضيع المطروحة في الأمم المتحدة، بصفته مسؤولاً عن السلم والأمن الدوليّين. وقضيّة تغيير بنيته طبعا كانت قد طُرحت عدة مرّات من جانب مجموعات العمل الدوليّة ودول مستقلة.
هذا طبعا ويمكن أن تعد مبادرة الولايات المتحدة الأميريكية هذه من أواخر المبادرات التي دعت إلى تقييد حق النقض. وتقوم المبادرة على عقد اجتماع تلقائي لأعضاء الجمعية العامة، المؤلفة من 193 دولة، في كل مرّة يتم فيها استخدام حق النقض من جانب الدول الدائمة العضوية. هذا طبعا وتؤيّد هذه المبادرة لحد اليوم 83 دولة في المجلس. هذا طبعا وكانت فرنسا في عام 2018،قد دعت أيضاً إلى تقييد حق النقض، إلّا أنّها واجهت تحديات جعلت نجاحها أمراً بالغ الصعوبة.
هذا طبعا ويمكن تقسيم المشاريع الإصلاحية لمجلس الأمن إلى قسمين الأول يتعلق بزيادة عدد الأعضاء الدائمين والأعضاء غير الدائمين، والثاني يُغيِّر تغييراً جذرياً تركيبة مجلس الأمن. هذا طبعا وتبقى قضية زيادة المقاعد الدائمة تطرح إشكالية كبرى، وهي أنّه سيصبح من الصعب، بل من المستحيل فيما بعدُ، أن تُسحب هذه المقاعد من أصحابها، خاصة طبعا مع غياب آلية انتقال الدول من المقاعد غير الدائمة إلى المقاعد الدائمة. فالأمم المتحدة لم تذكر في ميثاقها، عام 1945، معايير الاختيار للعضوية الدائمة، لأنّ الدول الكبرى آنذاك دخلت مجلس الأمن بعضوية دائمة. كما أن أيضا إعطاء هذه الدول حقّ النقض الفيتو سيزيد في خطر شلل مجلس الأمن، مع العلم بأنّ عدم خلق توازن فيما خصّ دول العالم الثالث لا يحترم المساواة في السيادة بين الدول في الأمم المتحدة. هذا طبعا ومن العوائق أمام الإصلاحات وتوسيع مجلس الأمن، وجود المادتين الـ108 والـ109 من الميثاق، واللتين تعطيان الدول الدائمة العضوية حق النقض الفيتو .
لذلك، فإنّ أيّ مشروع سيُقترح الآن يجب أن يأخذ في الحسبان تغيير هاتين المادتين أو تعديلهما من أجل منع الدول الدائمة العضويّة من معارضة أيّ مشروع مقترح.فالمادة الـ108 تؤكد طبعا بأنّ التعديل يمكن عبر قرار من الجمعية العامة يوافق عليه ثلثا أعضائها، ويصدق عليه ثلثا الأعضاء، وبينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن.
هذا طبعا وكانت قد حدثت هذه العملية مرة واحدة فقط عندما تم رفع عدد أعضاء مجلس الأمن إلى 15 عضواً، وهو العدد الحالي، وذلك بزيادة عدد الأعضاء غير الدائمين من ستة إلى عشرة. لذا طبعا فبشأن أمر التعديلات في قرارات الجمعية العامة، يبقى مستحيل، لأنّ التعديل يحتاج إلى موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية. لذا طبعا يمكن أن تكون لولايات المتحدة تريد فتح جبهة أو مواجهة مع روسيا، وأن تُظهر للعالم بأن روسيا هي التي تمنع دخول هذه الدول لمجلس الأمن الدولي. كما أنّ توسيع مجلس الأمن، بحسب الخطة الأميركية، يُحتّم على الأعضاء الجدد دخول مجلس الأمن وفق الشروط الأميركية الغربية. وبالتالي، تريد الولايات المتحدة الأميريكية أن تحوّل المجلس إلى سلطة تدور في الفلك الأميركي الأوروبي بصورة مطلقة. وفي حين أنه يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض عقوبات، أو حتى السماح باستخدام القوة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما، كما حدث في عدد من الحالات، فإنَّ هذا الأمر لا يمكن تطبيقه على الدول الخمس الدائمة العضوية، لأنّ أياً منها يمكن أن يمنع التنفيذ أو حتى صدور القرار باستخدام حق النقض. لذا طبعا تبقى البديل في هذه الحالة أن أمام الولآت المتحدةالأميريكية اللجوء إلى الضغط مالياً على مجلس الأمن الدولي، من خلال التهديد بوقف تمويلها للأمم المتحدة، والذي يبلغ 11.6 مليار دولار سنوياً.
وهذا الأمر يوقع المنظمة الأممية في عجزٍ وشلل لحركتها، إذ ستتلقى مصير عصبة الأمم نفسها، التي انهارت في عام 1945، وفشلت في حل النزاعات القائمة في أوروبا. ومع هذا طبعا تبقى الولايات المتحدة تسعى لإبعاد لاعبين أساسيين عن الساحة الدولية، من خلال انتهاك صلاحيات الأعضاء الدائمين في المجلس، وتقويض حق الفيتو وهذا طبعا ما تصفه روسيا طبعابــالعذاب المر٠
هذا طبعا وفي الوقت التي تواصل فيه دول إقليمية بارزة في مقدمتها تركيا، كفاحها لإصلاح مجلس الأمن الدولي، لازالت الوعود الأمريكية حول تفعيل هذا الإصلاح تراوح مكانها منذ سنوات دون تنفيذ.هذا طبعا وعلى وقع مناداة لا تتوقف من غالبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة طبعا193 دولة وعلى رأسها تركيا وألمانيا والهند والبرازيل ومصر وجنوب إفريقيا، بضرورة إصلاح مجلس الأمن، باعتباره حجر الزاوية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين٠هذا طبعا في وقت يحتاج فيه العالم أن تكون منظومة الأمم المتحدة بكل مؤسساتها، بما فيها مجلس الأمن، مناسبة للغرض الذي أنشئت من أجله٠ وأن حقائق القرن الحادي والعشرين الجيوسياسية يجب أن تنعكس على جميع هيئات المنظمة الدولية٠ خاصة وأن فعالية الأمم المتحدة وجميع هيئاتها مهمة ليس فقط للدول الأعضاء، ولكن لسمعة الأمم المتحدة ككل٠ هذا طبعا وتبقىالحقيقة تقول بأن الإصلاح بهذا المعنى قد يبدو بعيد المنال طبعا وهذا لسببين رئيسيين أولهما هو أن ميثاق الأمم المتحدة يفرض مسبقا موافقة الدول الكبرى الخمس على أي عملية إصلاح بالمجلس، أي أن توافق هذه الدول على تقليص بعض من نفوذها وسلطتها داخل المجلس، وهو أمر مستبعد بطبيعة الحال. وثانيهما طبعا يتمثل في تباين الرؤى بين الدول الأعضاء بالجمعية العامة حول عملية الإصلاح ذاتها، وحول الاقتراحات المختلفة بشأن كيفية المضي قدما، وبأي قضية من القضايا الخمس نستهل بها الإصلاح.
هذا طبعا وتبقى تركيا واحدة من بين القوى الإقليمية البارزة على الساحة الدولية التي تطالب، منذ سنوات، بضرورة اعتماد منظور جديد لإعادة هيكلة مجلس الأمن بعد أن صار العالم أكبر من خمسة أي أكبر من الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس. كما أن هناك هناك أيضا اليابان وألمانيا، وهما ثاني وثالث أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة، حيث يطالب البلدين منذ عقود بمقعدين دائمين في المجلس. وحتى البرازيل وهي خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة٠ وكذآلهند طبعاثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان طبعاعلى الحصول فورا بمقعدين دائمين بالمجلس باعتبارهما أقوى بلدين ضمن مجموعاتهما الإقليمية. كما أصبحت أيضا القارة السماء طبعا إفريقيا تنادي بأن يتم منحها مقعدين دائمين، تشغلهما بالتناوب دولتان تختارهما المجموعة الإفريقية، وذلك تعويضا عن المظالم التاريخية التي حلت بالقارة السمراء، من قبل المستعمرين الأوربيين.
هذا طبعا وتقترح كل من الجزائر ومصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، أن يكون أحد المقعدين الدائمين من نصيبها. كما أنه هناك في المقابل دول إقليمية أخرى كباكستان وإيطاليا والمكسيك طبعا تعارض فكرة زيادة عدد الدول دائمة العضوية بالمجلس، وترىأنه من الأفضل توسعة عدد الدول غير الدائمة العضوية، ولكن على أساس إقليمي. هذا طبعا وكانت الولايات المتحدة الأميريكية قدأعلنت مرارا دعمها منح العضوية الدائمة لليابان والهند، مع إمكانية إضافة عدد قليل من الدول إلى فئة الأعضاء غير الدائمين. أما بريطانيا وفرنسا فهما يدعمان بشكل أساسي مقترح زيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين شريطة حصول ألمانيا والبرازيل والهند واليابان على العضوية الدائمة.أما بالنسبة للصين فموقفها التقليدي هو مع ضم المزيد من الدول الإفريقية والبلدان النامية إلى عضوية المجلس، في حين تؤيد روسيا بقوة ترشح الهند لتشغل مقعدا دائما في عضوية مجلس الأمن. هذا طبعا وتعود مسألة إصلاح المجلس لتطل برأسها من جديد، وسط أزمات دولية كبرى يشهدها العالم حاليا. حيث من أبرز هذه الأزمات، الحرب الروسية الأوكرانية، وملف إيران وكوريا الشمالية النوويين، والقضية الفلسطينية العالقة بلا حل منذ عام 1948، والانقلابات العسكرية المتكررة في عدد من الدول النامية، وصولا إلى أزمات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بالأسواق العالمية.