في بداية العدوان على سورية قال الجنرال الأميركي بتراوس قائد المنطقة الوسطى في التصنيف الأميركي للعالم ومسارحه الاستراتيجية، وهي المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقاً إلى مصر والسودان غرباً. قال بتراوس «إذا سيطرنا على حمص ومدينة أخرى في الساحل أو الداخل فإننا نطمئن لنجاح المهمة في السيطرة على سورية كلها»، وأعتقد أن بتراوس لم يكن مغالياً في ذلك، لأن حمص تعتبر بالنسبة إلى سورية ومن الناحية الاستراتيجية مفتاح التحكم الذي تتقاطع عنده محاور الوصل والاتصال بين ساحل البلاد وباديتها، وشمال الدولة حيث ثقلها الاقتصادي وجنوبها، مروراً بدمشق حيث ثقلها النوعي الاستراتيجي. ولأجل ذلك اعتمدت حمص من قبل العدوان عاصمة لما أسمي «ثورة» وأنشئت فيها القلاع المحصنة مثل بابا عمرو وسواها لتستوعب غرف العمليات المركزية التي يديرها الضباط الأجانب بمن فيهم الأميركي والفرنسي و«الإسرائيلي» فضلاً عن ضباط الخليج من مجلس التعاون. شاءت قيادة العدوان أن تجعل من حمص مدينة مكافئة لدمشق من حيث الأهمية، ولأجل ذلك تمسكت بورقة لبنان وشماله خدمة لهذه العاصمة المفترضة. هذه حمص بأهميتها المتعددة الوجه.
حمص هذه تسقط اليوم من أيدي قيادة العدوان وتدخلها الدولة السورية بقواتها الشرعية لتطهرها بشكل تام ولتطوي صفحة مأسوية من تاريخها، ولتجهض الحلم الأميركي الأساس الذي بنيت عليه خطة إسقاط سورية.
ثم إن طريقة تطهير المدينة وإعادتها إلى كنف الدولة فيها من الرسائل والعبر ما يخيف العدو ويطمئن الصديق ويشجع الضال على العودة السريعة إلى شرعية الدولة.
لا يظنن أحد أن المصالحة ـ المخرج التي تمت، فيها تنازل من الدولة لمصلحة المسلحين، إنما كان عملاً متقناً نفذته الدولة بدءاً بوجهه العسكري الذي عمل لأسابيع غير قصيرة وانتهى إلى رسم صورة للموقف علم بها المسلحون أن لا نجاة لهم إلا بالانصياع إلى ما تريده الدولة، ولأن في قواعد النصر المستقر قاعدة تقول إن «أفضل الانتصارات هو ما كان بأقل الخسائر وما كان العدو قادراً على احتماله»، فإننا نرى أن النجاح في استعادة حمص يستجيب إلى هذه القاعدة، فليست غاية الدولة القتل كما يظن البعض، بل القصد التطهير ومنع المسلح من متابعة القتال في موقعه وهذا الذي حصل. بذلك استعيدت حمص وغضبت أميركا التي لم تنفعها المناورات من جنيف وما قبلها وبعدها لفك الطوق عنها وإبقاء المسلحين فيها.
امين حطيط