سمير الفزاع
بعد عدد من المداولات قرر الرئيس بشار حافظ الأسد أن لا يخرج للناس بأي كلمة مسموعة أو مقروءة أو مرئية . كان النقاش موسعاً ومعمقاً حول المبدأ ، ومنه تَشَعّب ؛ حتماً إلى هذه المرحلة التاريخية ، الأهم والأخطر من تاريخ سوريا . ثلاثة أعوام ونيف من حرب الهوجاء وغير المسبوقة ؛ بقسوتها وأدواتها وآثارها وتداعياتها … . في كلّ مرة حاول أحد من الفريق السياسي أو الإعلامي أو الأمني … وضع آلية وشكل ومواضيع ورسائل ووسائل … إطلالة أو أكثر للرئيس ، كان سيادة الرئيس يصده ويغير الحديث بكل تهذيب ، ودون إبداء للأسباب .
بعد أن إنتهت مسيرة تقديم طلبات الترشيح ، وبعد أن أصدرت اللجنة القضائية الموكلة بدراسة هذه الطلبات قرارها بحصر المنافسة بين السادة الحجار والأسد والنوري ، بدأ النقاش يأخذ طابعاً آخر ، طابع أكثر إلحاحاً وإصراراً على المكاشفة بالإستراتيجية الإنتخابية للمرشح بشار حافظ الأسد . بدأ السادة الحضور بالحديث عن الشكل الأمثل لظهور سيادة الرئيس ، والمواضيع التي سيتحدث عنها ، وحزمة الرسائل التي سيبعث بها ، والوسائل الإعلامية المرشحة للتعبير من خلالها … كان الرئيس الأسد يستمع ، ولكن شيء ما يكاد يفعله سيغير وجهة الجلسة رأساً على عقب ، لم يتأخر كثيراً ، وعلى طريقته المهذبة ؛ إستأذن الحضور بالكلام .
الرئيس الأسد : لقد توصلت إلى تصور ، وأريد أن أطرحه عليكم ، للنقاش ، لن أتحدث إلى أي وسيلة إعلامية كجزء من الدعاية الإنتخابية ، بل أنا ضد أي شكل من أشكال هذه الدعاية .
سكت الرئيس الأسد لبعض الوقت ، وساد المكان صمت ثقيل جداً مشبع بالدهشة والذهول .
تداركت السيدة بثينة شعبان الموقف ، وقالت : سيادة الرئيس ، سيشكل ذلك سابقة تاريخية في مجال الإنتخابات في العالم أجمع ، ولكن لماذا يا سيادة الرئيس ؟ .
السيد وليد المعلم : ربما أستطيع أن أتخيل بعض من الدوافع والأسباب التي تقف خلف هذا الرأي ، ولكني أفضل أن أسمع منك يا سيادة الرئيس .
هزّ الحضور رؤوسهم تأييداً لما قاله كلّ من السيدة بثينه شعبان والسيد وليد المعلم ، وبدا بأن الجميع ينتظر ما سيقوله السيد الرئيس .
الرئيس الأسد : سأكون واضحاً شفافاً كما عهدتموني ، لن أظهر على أي وسيلة إعلامية لعدة أسباب وعوامل ، سأجملها على الشكل التالي :
أولاً : خلال ثلاثة أعوام مضت ، لم يبق أحد في هذا العالم إلا وتحدث بإسم الشعب السوري ، من محميات الخليج في جزيرة العرب وصولاً إلى واشنطن ، لندع الشعب السوري يقول كلمته ، ويحدد خياراته بكل حرية . من طرفي ، لن أطلب منهم شيئاً ، ولن أمنعهم من شيء . لندعهم يكتشفوا المرة تلو المرة من يمنعهم من ممارسة حقوقهم ، ومن يحاول أن يفرض عليهم خيارات محددة .
ثانياً : أرى في هذه الإنتخابات نوع من الإستفتاء على سياسات إنتهجناها ، وخيارات مارسناها وألتزمنا بها ، لنرى رأي الناس فيها دون توجيه أو تحفيز ؛ من جهتنا على الأقل . يجب أن يكون الناس شركاء في وضع السياسات وتقييمها ومراجعتها … حتى يؤمنوا بها ، ويدافعوا عنها .
ثالثاً : شعبنا العظيم الذي تحمل كلّ هذا الكمّ الهائل من الحصار والضغوطات ، وإرهاب الجماعات المسلحة ، وتآمر الأشقاء والجيران ، وإلتحاقهم بركب العدو الصهيوني بشكل مفضوح وسافر … من حق هذا الشعب أن يمارس قناعاته ، ويختار رئيسه ، خصوصاً وأني كنت رئيساً له طوال هذه الأزمة ، لذلك سأترك له حرية الخيار .
رابعاً : الإنتخابات الرئاسية في هذه الظروف التي تعرفونها ، ولكونها المرة الأولى التي تجري بها على هذا النحو في سوريا ، ستكون فرصة لسوريا ولكل السوريين حتى يعيدوا وصل ما إنقطع بينهم ، ورأب ما تصدع ، وإصلاح ما تخرب . إن مشاركة الناس في عمل جماهيري واسع كهذا سيكون فرصة ذهبية لتحقيق ما قلت ، والأفضل أن يكون التحرك عفوياً دون توجيه أو طلب .
خامساً : حاول أعداء سوريا بكل ما أوتوا من قوة ، وبإستخدام كل ما يملكون من وسائل أن يدفعوا شعبنا ليتصرف على غير طبيعته وتكوينه ، فيخون وطنه ، ويرفع السلاح بوجهه ووجه جيشه وضد أخيه ، وأن يدمر تاريخه وإرثه الحضاري والإنساني … عندما نصمت ، ونترك لهذا الشعب أن يتلمس طريقه ، سيعود ليتصرف وفق طبيعته وطبعه وتكوينه ، وأنا متأكد من سلامة وتحضر هذا الطبع والتكوين .
سادساً : تعلمون بأن هناك من يراقب هذه الإنتخابات بكل تفاصيلها ، دول ومؤسسات وأجهزة وسفارات … وأنا أصمت لأقول لكل هؤلاء : هذا هو خيار الشعب ، وهذا هو قراره ، هل ستحترموه ؟ إن فعلوا – ولن يفعلوا – أنهينا الأزمة ، وإن لم يفعلوا سيكونوا أعداء لكل من ذهب – أو إستطاع أن يذهب – إلى صناديق الإقتراع .
سابعاً : خلال الفترة الماضية من تاريخ الحرب على سوريا قلنا الكثير ، وفعلنا الكثير ، واليوم هو دور الشعب . اليوم دورهم ليقولوا كلمتهم الفصل ، وأنا مشتاق لسماع هذه الكلمة ، ولمعرفة الطريقة التي سيقولونها بها .
هذه الكلمات ، وهذا الحوار من صناعتي بالمطلق ، ليس حقيقيّاً ؛ وإن كان ممكن علمياً ومنطقياً . قمت بصناعته كي أملأ فراغاً أوجده "إمتناع" الرئيس بشار حافظ الأسد عن التوجه لناخبيه ، قد يكون ذلك في عرف البعض – أمريكا ، فرنسا ، بريطانيا … – خطأ ؛ بل كارثة لا تغتفر ، ونتيجته الحتمية في بلادهم خسارة الإنتخابات . لذلك لم يفهموا كيف يحصل إنسان على هذا الحجم الهائل من التأييد الشعبي ، وفي هذه الظروف المعقدة من الحرب النفسية والإعلامية والمادية المباشرة … حاولت الفهم ؛ فأخترعت ، لا أعلم كم أصبت ، ولكني حتماً ملأت جزء من الفراغ .