.jpg)
حسن م. يوسف
أحسب أن تعيين الثعلب حارساً لقن الدجاج أكثر عقلانية من انتخاب مندوب الكيان الصهيوني مردخاي أميهاي كاحد نواب رئيس لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة! أعترف أنني لم أكن يوماً من المؤمنين بعدالة المنظمة الدولية فأنا أعلم أنها في أحسن حالاتها لم تكن أكثر من جسد لتطبيق "عدالة المنتصرين"، لكنني لم أتوقع يوماً أن تخرف الأمم المتحدة لدرجة أن تنتخب مندوب الكيان الاستعماري الاستيطاني (إسرائيل ) كنائب لرئيس لجنة تصفية الاستعمار ! أية نكتة سوداء هذه، أن ينتخب المجرم قاضياً في المحكمة التي يفترض به المثول أمامها! أية مهزلة هذه أن تفترض الأمم (الملتحدة ) بالكيان الصهيوني أن يقوم بتصفية نفسه ذاتيا!
الأعجب والأقسى مما سبق هو أن مندوب (إسرائيل) قد حاز على 74 صوتا من أصوات المندوبين البالغ عددهم 159 مندوبا! رغم أن التصويت تم بشكل سري، مما يشي بمدى تغلغل الصهيونية في أوساط صناع القرار في الدوائر الدولية، ومدى ضآلة الحضور العربي!
يرى كثير من المؤرخين أن الاستعمار، بالمعنى الحديث للكلمة، ولد عام 1415 عندما قام البرتغاليون بتأسيس أول مستعمرة لهم في سبتة التي تشكل الآن جيباً على الساحل المغربي يتبع إدارياً لأسبانيا. وإذا دققنا في التاريخ سنجد أن ظاهرة الاستعمار سيئة الذكر هذه، هي الشقيق الأكبر لأمريكا التي تم اكتشافها عام 1492أي بعد ولادة الاستعمار بسبعة وسبعين عاماً، وهذا يعني أن أمريكا ستحتفل في العام القادم بمناسبة مرور ستة قرون على ولادة شقيقها الأكبر.
تختلف أشكال الاستعمار من بلد لآخر، بحسب شراسة المستعمرين ومقاومة أصحاب الأرض، لكن الجوهر المشترك بين كل حالات الاستعمار هو النهب والاخضاع.
في ضوء قراءاتي أستطيع القول إن أشنع أشكال الاستعمار هو الاستعمار الاستيطاني الذي نجح على أيدي الغزاة البيض في أمريكا بفعل آليات الإبادة الوحشية التي استخدموها، وفشل في جنوب أفريقيا بفضل بطولة السكان المحليين، وهو ما يزال في فلسطين يمتص دم الأرض والناس بغية إطالة عمره الى أبعد حد.
لقد لفق الصهاينة أسطورة وجودهم التاريخي في فلسطين وصوروا الله كما لو أنه تاجر عقارات باعهم فلسطين منذ آلاف السنين . لكن الدراسات التاريخية العلمية الجديدة، تثبت بطلان هذه الأسطورة المزعومة، فالمؤرخ البريطاني كيث وايتلام يقول استناداً الى نتائج الحفريات الأثرية وعلم التاريخ في كتابه- الزلزال: " اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني" : " إن إسرائيل ليست سوى برهة في تاريخ فلسطين الطويل". وهناك علماء آثار يعيشون داخل إسرائيل يؤكدون صحة ماتوصل إليه المؤرخون الكتابيون الجدد كيث وايتلام وتوماس طومسون وغيرهم. فعالم الآثار الـ(إسرائيلي) البروفسور زئيف هرتسوغ يعلن بكل وضوح :
"بعد سبعين سنة من الحفريات الأثرية المكثفة في أرض فلسطين، توصل علماء الآثار الى استنتاج مخيف : الأمر مختلف من الأساس ، فأفعال الآباء هي مجرد أساطير شعبية، ونحن لم نهاجر الى مصر، ولم نرحل من هناك، ولم نحتل هذه البلاد، وليس هناك أي ذكر لامبراطورية داؤود وسليمان، والباحثون والمختصون يعرفون هذه الوقائع منذ وقت طويل، لكن المجتمع لايعرف".
يعلم المؤرخون أن مملكة القدس الكاثوليكية قد استمرت في الوجود على أرضنا زهاء قرنين من الزمن، فقد أنشئت في عام 1099 بعد الحملة الصليبية الأولى، وشكلّت مملكة كبرى في الشرق وقاعدة لعمليات الفرنجة، الى أن تقوضت عام 1291 وعادت الأرض لأهلها كما لو أن تلك المملكة لم تكن.
لاشك أن الكيان الصهيوني يحاول إطالة عمره من خلال إنهاك الجسد العربي المحيط به وتفتيته وإضعاف قدراته. وقد كان النظام السياسي العربي المنحط ولا يزال أحد العوامل الأساسية في قدرة (إسرائيل) على مقاومة قدرها المحتوم، لكن عمرها لن يطول بقدر مملكة القدس. من قاع هذا الواقع المرضوض كحفرة أحدثها انفجار بقوة ثلاثة أطنان من الديناميت، أرى مدن الملح تتلاشى من دنيانا، عقب نضوب النفط، كما أرى (إسرائيل) وقد حكمت عليها طبيعتها السرطانية بالزوال، وغدا اسمها مجرد كلمة في كتب التاريخ ،كاسم مملكة القدس الذي لايتلفظ به الآن إلا المعنيون بالماضي.
الوطن )