![](/userfiles/48193987226113680.png)
ما يحدث الآن في العراق قد خُطّط له منذ فترة طويلة وبعناية.
فالرأي السائد في معظم وسائل الإعلام الرئيسية الغربية هو أنّ الوضع الحالي سببه انسحاب الولايات المتحدة في كانون الأول ديسمبر 2011، وسياسات الحكومة الحالية، دون أن تلحظ هذه الرؤية أية علاقة بين الغزو الأمريكي في عام 2003 والاحتلال الذي أعقب ذلك. فضلاً عن أنه يتجاهل أيضاً فرق الموت التي تدربت على يد مستشارين أميركيين في العراق في أعقاب الغزو، والتي هي في قلب الحرب الحالية.
كالعادة، وسائل الإعلام الغربية هدفها تشكيل التصورات والآراء، واغتصاب الوعي عن طريق صياغة رؤية للعالم الذي يخدم مصالح الأقوياء.
ما ينكشف في العراق الآن وسوريا و ليبيا هو "الفوضى البناءة"، التي صمّمها الغرب. وهو مخطّطٌ قديم وجزء من "خارطة الطريق العسكرية" الصهيو-أميركية في الشرق الأوسط، كما ظهر في عام 2006.
يتكوّن المشروع من تشكيل قوسٍ من عدم الاستقرار والفوضى والعنف، تمتد من لبنان وفلسطين وسوريا، إلى العراق والخليج الفارسي وإيران، وصولاّ الى أفغانستان.
قدم مشروع "الشرق الأوسط الجديد" من واشنطن وتل أبيب في الحرب على لبنان عام 2006، حيث كان من المتوقع أن يكون لبنان نقطة الضغط لإعادة تنظيم الشرق الأوسط كلّه، وتالياً إطلاق العنان لقوى "الفوضى البناءة" التي من شأنها أن تعيد تشكيل المنطقة وفقاً للاحتياجات والأهداف الجيوستراتيجية عن طريق العنف والحروب، وهو هدفٌ يستجيب لأهدافٍ اقتصادية واستراتيجية وعسكرية واسعة النطاق…
إنّ زرع العداء بين مختلف المجموعات العرقية والثقافية والدينية في الشرق الأوسط لم يكن عملاً صدفوياً، بل هم عملٌ منهجي، وجزءٌ من أجندة المخابرات السرية.
فوفقاً للباحث الكندي "مهدي داريوس ناظم رؤية"، إنّ "استراتيجية فرّق تسد" هدفها النهائي هو إضعاف حركة المقاومة ضدّ الاحتلال الأجنبي.
إنّ هندسة حروب أهلية هي أفضل وسيلة لتقسيم البلاد إلى عدة أقاليم. لقد عُمل بها في البلقان ونجحت في تدمير يوغوسلافيا وتقسيمها إلى سبعة كيانات منفصلة، فلماذا لا تعمّم الى مناطق مشابهة بل أكثر سخونة.
ونحن نشهد اليوم بوضوح بلقنة العراق مع مساعدة من الأداة الأميركية الفضلى، أي ميليشيات مسلّحة تحمل شعارات انفصالية وطائفية.
إنّ جميع المعلومات والوثائق تؤكّد أنّ تنظيم القاعدة قد استخدم بواسطة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في صراعات عديدة.
ولا يخفي العديد من الباحثين والأكاديميين الأميركيين أنّ القرار في واشنطن اتّخذ لتوجيه الدعم (سراً) لصالح الكيانات الإرهابية، التي تعمل في كل من سوريا والعراق. كما أنّ أجندة ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام تتوافق مع أجندة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، لتقسيم كل من العراق وسوريا إلى أقاليم عدة.
ففي حين أنّ الولايات المتحدة تسلّح الحكومة في بغداد وتبرم صفقات بمليارات الدولارات معها، فإنّ داعش وحلفاءها مدعومةٌ سراً من قبل المخابرات الغربية، بهدف هندسة حربٍ أهلية في العراق.
وتبعاً لميشيل شوسودوفسكي، فإنّ ما يسعى اليه في النهاية هو المواجهة بين الشيعة والسنة.
منذ بداية ما سماه جورج بوش الإبن "الحرب على الارهاب"، كانت هذه الازدواجية واضحة وتجلت في استثناء المملكة السعودية الداعم الرئيسي للإرهاب، كونها حليف الولايات المتحدة.
هذا الاستثناء لا يمكن فهمه إلا في إطار أنّ دعم الكيانات الإرهابية هو سياسة سرية للإدارة الأميركية.
وقد دفعت هذه الازدواجية بعض الكتاب (جولي ليفيسك) للتصريح بالقول إنّ: "تحالف الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية يظهر ازدراء الولايات المتحدة للديمقراطية. إنّ هذا التحالف وحده يشير بوضوح إلى أنّ الهدف من الغزو الأمريكي للعراق لم يكن تحقيق الديمقراطية والحرية للعراقيين. لأنّ للمملكة السعودية، ترى أنّ قيام عراق ديمقراطي يمثل كابوساً وتهديداً لحكمها القمعي الملكي".
هذه السياسة الأميركية في التفرقة ونشر الفوضى بدأت منذ اللحظات الأولى لغزو العراق، أي منذ تعيين بول برايمر حاكماً مدنياً (2003-2004)، وقيامه بحلّ جميع القوى الأمنية العراقية وتشكيل مرتزقة وميليشيات طائفية بديلة.
وواصل السفير الأمريكي جون نيغروبونتي عمل بريمر في الفترة الممتدة بين (2004-2005)، فهذا السفير الخبير بسحق المعارضة في أمريكا الوسطى وبمساعدة "فرق الموت" قد كان "الرجل المناسب لهذه المهمة" في العراق الذي يراد رسمه.
وكان نيغروبونتي قد لعب دوراً رئيسياً في الدعم والإشراف على الكونترا في نيكاراغوا ومقرها في هندوراس، وكذلك الإشراف على أنشطة فرق الموت العسكرية في هندوراس بين عامي 1981-1985..
وفي إطار ما يسمى بـ"خيار سلفادور العراق"، فإنّ الاستخبارات الأمريكية أرسلت عملاءها لقتل قادة شيعة وسنة، لإثارة الخلافات وتأجيج الصراعات.
وبمعنى آخر، كما يقول البروفسور شوسودوفسكي: تشكيل كتائب إرهابية ترعاها الولايات المتحدة وتتولى عمليات قتل المدنيين بهدف إثارة العنف الطائفي.
إنّ ما يسعى البعض لإشاعته من أنّ ما يحصل في العراق هو نتيجة "الفشل"، وأنّ صناّع القرار في الإدارة الأميركية هم أغبياء، هو خاطئٌ جداً. إنه ليس الفشل، وإنهم ليسوا أغبياء، بل هذا ما يراد لنا أن نعتقده ، لأنهم وببساطة (وفق تعبير جولي ليفيسك) يعتقدون أننا أغبياء.
محمد محمود مرتضى