د. حسن أحمد حسن
عشرة أيام فقط أرغمت أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب على الغطس في أوحال ابتلاع مرارة الهزيمة أمام مرأى العالم وعلى مسمعه. عشرة أيام كانت كفيلة بوقوف الكيان الصهيوني، مسؤولين ومستوطنين، على رجل واحدة… عشرة أيام كانت أكثر من عصيبة وضاغطة على حكام تل أبيب وهم ينتظرون في كلّ لحظة رد حزب الله على حماقة من اتخذ القرار باستهداف مجموعة مقاومة كانت في جولة استطلاعية في ريف القنيطرة.. عشرة أيام حبست خلالها المنطقة والقوى الفاعلة على الساحة الدولية أنفاسها وهي تفكر في تداعيات ما قد يحدثه ردّ حزب الله على جنون من اتخذ القرار بشنّ غارة على موكب المقاومة.
كلّ مظاهر الحياة الطبيعية غابت عن المنطقة الشمالية من أرض فلسطين المحتلة، استدعي الاحتياط، ومُنعت الإجازات عن العسكريين، ورفعت الجاهزية القتالية لجيش الاحتلال إلى أعلى درجاتها، وأعلن رسمياً عن استقدام الجحافل والمدرّعات، وانتقلت مكونات ما أسموه القبة الحديدية بغالبيتها إلى الشمال، حتى بات مظهر المستوطنات يوحي بأنها مهجورة أو أرض خراب، واكتظت الصحف والمجلات وشاشات القنوات الفضائية والإذاعة وبقية مواقع التواصل الاجتماعي بالدراسات والتحليلات والتنبؤات التي أجمعت على أنّ حزب الله سيردّ، وهذا ما جعل الداخل الصهيوني منهمكاً في الإجابة على أسئلة محدّدة حول مكان الردّ وزمانه وكيفيته؟ وهل سيكون موضعياً أم شاملاّ؟ تكتيكياً أم استراتيجياً؟
![](/userfiles/14114782775774728(2).jpg)
وحده حزب الله الذي كان يتابع ما يحدث، برباطة جأش وثقة مطلقة ببلوغ الأهداف التي يتم اعتمادها لأي ردّ يتمّ تبنّيه، وبات من المسلّم به لدى الصديق والعدو أنّ الردّ قادم لا محالة، وهو ردّ لا يمكن أن يكون أقلّ من العدوان الغادر الذي طال رجال المقاومة، فمنذ الساعات الأولى للعدوان كان واضحاً لكلّ من يريد الاحتكام إلى لغة المنطق وحقائق الميدان أنّ السؤال الأهم والأعمق والأخطر هو: هل ستردّ تل أبيب على ردّ حزب الله؟ أم أنها مرغمة على ابتلاع مرارة الصفعة والضربة الجوابية لأنها أعجز من تحمل تداعيات اشتعال المنطقة؟ هذا أمر لا يمكن إسقاطه من حسابات أي عاقل إذا ما تطاولت ألسنة لهب المواجهة وخرجت عن السيطرة، وهنا يكمن الإبداع المبطن لحزب الله عبر اختيار الهدف وحجم الخسائر التي يستطيع أصحاب الرؤوس الحامية ابتلاع حنظلها بشكل أو بآخر، فالحرب ليست هدفاً آنياً يسعى إليه حزب الله، لكنه جاهز لخوضها إنْ فُرضت، والمقاومون كانوا وسيبقون على قدر المسؤولية، وهم أهلها ورجالها وصُنّاع انتصاراتها، كما قال سيد المقاومة.
لقد أراد الصهاينة تغيير قواعد الاشتباك فتغيّرت فعلاً، لكن وفق إرادة عشاق المقاومة وأصحاب اليقين واليمين القادرين على إطلاق الوعود وتنفيذها. نعم لقد تغيّرت قواعد الاشتباك، والقاعدة الوحيدة التي أفرزها ردّ حزب الله تتلخص في أنه لم يعد هناك قواعد أو أطر محدّدة تقيد ردّ المقاومة، فالردّ أصبح مفتوحا في الزمان والمكان والكيفية، والجبهات امتدّت وتمازجت حاملة هوية المقاومة، بغضّ النظر عن الجغرافيا السياسية، وإذا كان ساسة تل أبيب أخذوا يتقاذفون الشتائم وأسباب المسؤولية عن الإخفاق المدوي في تحمل نتائج القرار الأرعن باستهداف فريق مقاوم يضمّ عناصر من حزب الله وجنرالاً إيرانياً على أرض سورية، فعلى أولئك ألا ينسوا أنّ القادم أشدّ وأدهى، وتدمير رتل العربات التي تقل ضباطاً وجنوداً إسرائيليين في مزارع شبعا قد يكون مجرد صفحة من الردّ المدون في سجل الحساب المفتوح، وإذا كانت تسيبي ليفني مأزومة من عجز كيانها عن لملمة تداعيات ألم الردّ الأولي، فعليها أن تتذكر وهي تنتقد نتنياهو والجنرالات الصهاينة أنّ تداعيات رعونة العدوان الصهيوني الغادر في الثامن عشر من كانون الثاني لا يقتصر على تآكل قوة الردع «الإسرائيلية» وظهور جيش الاحتلال بمظهر العاجز عن الردّ، بل قد يكون ما لم يحن وقت الإعلان عنه بعد أمرُّ وأدهى، فما تمّ دفعه حتى الآن هو جزء من الردّ والحساب مفتوح بين مشروعين متناقضين بالضرورة، أما الثمن الأغلى المطلوب عن جزء من الجرائم الصهيونية فلمّا يُدفع بعد، وعلى من يحتكم إلى الواقعية الميدانية أن يبدأ منذ الآن بالتفكير جدياً في كيفية جمعه ودفعه طواعية، لأنه سيدفع في نهاية المطاف طوعاً أو كرهاً، وهذا يفضي إلى تساؤل مشروع: إنْ كانت مفاصل صنع القرار الأميركي بدأت تقتنع بأنّ تل أبيب أضحت عبئاً على واشنطن، فهل اقترب موعد دفع الثمن الأغلى؟
عشرة أيام فقط أرغمت أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب على الغطس في أوحال ابتلاع مرارة الهزيمة أمام مرأى العالم وعلى مسمعه. عشرة أيام كانت كفيلة بوقوف الكيان الصهيوني، مسؤولين ومستوطنين، على رجل واحدة… عشرة أيام كانت أكثر من عصيبة وضاغطة على حكام تل أبيب وهم ينتظرون في كلّ لحظة رد حزب الله على حماقة من اتخذ القرار باستهداف مجموعة مقاومة كانت في جولة استطلاعية في ريف القنيطرة.. عشرة أيام حبست خلالها المنطقة والقوى الفاعلة على الساحة الدولية أنفاسها وهي تفكر في تداعيات ما قد يحدثه ردّ حزب الله على جنون من اتخذ القرار بشنّ غارة على موكب المقاومة.
العفريت الصهيوني الذي ظنّ أنّ في إمكانه الخروج من القمقم عبر التهديد بخلط الأوراق في كامل المنطقة وفرض قواعد جديدة للاشتباك، وجد نفسه مرغماً على العودة ثانية، لكن إلى قمقم أصغر بكثير من الذي كان يقبع فيه منذ اتضاح معالم عجزه في حرب تموز 2006.
كلّ مظاهر الحياة الطبيعية غابت عن المنطقة الشمالية من أرض فلسطين المحتلة، استدعي الاحتياط، ومُنعت الإجازات عن العسكريين، ورفعت الجاهزية القتالية لجيش الاحتلال إلى أعلى درجاتها، وأعلن رسمياً عن استقدام الجحافل والمدرّعات، وانتقلت مكونات ما أسموه القبة الحديدية بغالبيتها إلى الشمال، حتى بات مظهر المستوطنات يوحي بأنها مهجورة أو أرض خراب، واكتظت الصحف والمجلات وشاشات القنوات الفضائية والإذاعة وبقية مواقع التواصل الاجتماعي بالدراسات والتحليلات والتنبؤات التي أجمعت على أنّ حزب الله سيردّ، وهذا ما جعل الداخل الصهيوني منهمكاً في الإجابة على أسئلة محدّدة حول مكان الردّ وزمانه وكيفيته؟ وهل سيكون موضعياً أم شاملاّ؟ تكتيكياً أم استراتيجياً؟
![](/userfiles/14114782775774728(2).jpg)
وحده حزب الله الذي كان يتابع ما يحدث، برباطة جأش وثقة مطلقة ببلوغ الأهداف التي يتم اعتمادها لأي ردّ يتمّ تبنّيه، وبات من المسلّم به لدى الصديق والعدو أنّ الردّ قادم لا محالة، وهو ردّ لا يمكن أن يكون أقلّ من العدوان الغادر الذي طال رجال المقاومة، فمنذ الساعات الأولى للعدوان كان واضحاً لكلّ من يريد الاحتكام إلى لغة المنطق وحقائق الميدان أنّ السؤال الأهم والأعمق والأخطر هو: هل ستردّ تل أبيب على ردّ حزب الله؟ أم أنها مرغمة على ابتلاع مرارة الصفعة والضربة الجوابية لأنها أعجز من تحمل تداعيات اشتعال المنطقة؟ هذا أمر لا يمكن إسقاطه من حسابات أي عاقل إذا ما تطاولت ألسنة لهب المواجهة وخرجت عن السيطرة، وهنا يكمن الإبداع المبطن لحزب الله عبر اختيار الهدف وحجم الخسائر التي يستطيع أصحاب الرؤوس الحامية ابتلاع حنظلها بشكل أو بآخر، فالحرب ليست هدفاً آنياً يسعى إليه حزب الله، لكنه جاهز لخوضها إنْ فُرضت، والمقاومون كانوا وسيبقون على قدر المسؤولية، وهم أهلها ورجالها وصُنّاع انتصاراتها، كما قال سيد المقاومة.
لقد أراد الصهاينة تغيير قواعد الاشتباك فتغيّرت فعلاً، لكن وفق إرادة عشاق المقاومة وأصحاب اليقين واليمين القادرين على إطلاق الوعود وتنفيذها. نعم لقد تغيّرت قواعد الاشتباك، والقاعدة الوحيدة التي أفرزها ردّ حزب الله تتلخص في أنه لم يعد هناك قواعد أو أطر محدّدة تقيد ردّ المقاومة، فالردّ أصبح مفتوحا في الزمان والمكان والكيفية، والجبهات امتدّت وتمازجت حاملة هوية المقاومة، بغضّ النظر عن الجغرافيا السياسية، وإذا كان ساسة تل أبيب أخذوا يتقاذفون الشتائم وأسباب المسؤولية عن الإخفاق المدوي في تحمل نتائج القرار الأرعن باستهداف فريق مقاوم يضمّ عناصر من حزب الله وجنرالاً إيرانياً على أرض سورية، فعلى أولئك ألا ينسوا أنّ القادم أشدّ وأدهى، وتدمير رتل العربات التي تقل ضباطاً وجنوداً إسرائيليين في مزارع شبعا قد يكون مجرد صفحة من الردّ المدون في سجل الحساب المفتوح، وإذا كانت تسيبي ليفني مأزومة من عجز كيانها عن لملمة تداعيات ألم الردّ الأولي، فعليها أن تتذكر وهي تنتقد نتنياهو والجنرالات الصهاينة أنّ تداعيات رعونة العدوان الصهيوني الغادر في الثامن عشر من كانون الثاني لا يقتصر على تآكل قوة الردع «الإسرائيلية» وظهور جيش الاحتلال بمظهر العاجز عن الردّ، بل قد يكون ما لم يحن وقت الإعلان عنه بعد أمرُّ وأدهى، فما تمّ دفعه حتى الآن هو جزء من الردّ والحساب مفتوح بين مشروعين متناقضين بالضرورة، أما الثمن الأغلى المطلوب عن جزء من الجرائم الصهيونية فلمّا يُدفع بعد، وعلى من يحتكم إلى الواقعية الميدانية أن يبدأ منذ الآن بالتفكير جدياً في كيفية جمعه ودفعه طواعية، لأنه سيدفع في نهاية المطاف طوعاً أو كرهاً، وهذا يفضي إلى تساؤل مشروع: إنْ كانت مفاصل صنع القرار الأميركي بدأت تقتنع بأنّ تل أبيب أضحت عبئاً على واشنطن، فهل اقترب موعد دفع الثمن الأغلى؟