لأول مرة منذ عشرين عاماً، أغلقت الحدود بين الدول الأوروبية، حيث بدأت النمسا، وتبعتها الدانمرك، كما طبقت ألمانيا تعليقاً جزئياً لاتفاقية شينغين للانتقال الحر بين دول الاتحاد الأوروبي، ومع تحول أزمة اللاجئين السوريين إلى أزمة هجرة أوروبية، قد تغلق مزيد من الدول الأوروبية حدودها، ناهيك عن أن الاتحاد الأوروبي بات عرضة للتفكك جراء ضغط أخلاقي وإنساني فرضه مئات الآلاف من المحتاجين للمساعدة، حسبما أوردت صحيفة "ناشونال إنترست" الأمريكية.
وترى الصحيفة الاميركية "أن مواصلة استقبال مزيد من اللاجئين ستؤدي لزيادة أعداد المهاجرين(والوفيات)، مما قد يتحول إلى أزمة قد تطيح باتفاقية شينغين، ويواجه الاتحاد الأوروبي خياراً واضحاً، فإما فتح الحدود الخارجية، أو فتح الحدود الداخلية، إذ لن يصمد الحلم الليبرالي القديم بفتحهما معاً أمام الحقيقة الفجة لعالمنا غير العادل".
وتشير "ناشونال إنترست" إلى أن تعليق ألمانيا، من جانبها وحسب، العمل بنظام دبلن، لاقى صداه في أماكن بعيدة كسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، كما لاقت احتجاجات ألمانية بتوفير الإقامة والسكن فقط للسوريين، آذاناً صماء، ورغم شروط مسبقة على اللجوء، لاقى عرض ألمانيا النبيل بقبول 800 ألف لاجئ خلال العام الحالي، وما يصل لـ 500 ألف لاجئ سنوياً خلال الأعوام المقبلة، أصداء حسنة.
كما تلفت الصحيفة، الى أنه "لم يكد يمر ثلاثة أسابيع على العرض الألماني، حتى أعلنت حكومتها في 13 أيلول، بأنها لم تعد قادرة على استقبال المزيد، وحاولت إغلاق الحدود، وربما يصح القول بأنها "حاولت" لأنه من المستحيل الاعتقاد بأن أزمة كهذه قد تنتهي لمجرد أنها تحولت لمصدر إزعاج سياسي وإداري، وربما تكون هذه نهاية البداية، ولكنها بالتأكيد ليست بداية نهاية الأزمة".
وتقول "ناشونال إنترست" بأنه بعد شهرين من انتقادها آخرين لإخفاقهم في استقبال وإيواء موجات من اللاجئين، قد تتجرع ألمانيا حالاً نفس الكأس، حيث وجه نشطاء حقوق الإنسان سهامهم في آب، لمقدونيا، جراء إغلاق حدودها مع اليونان، وبعد تكدس آلاف اللاجئين في معسكرات أقيمت كيفما كان، تراجعت مقدونيا وفتحت حدودها، وتكررت المهزلة عند حدود صربيا مع مقدونيا، ومن ثم عند حدود هنغاريا مع صربيا.
وتلفت الصحيفة إلى أن الموقف الألماني الرسمي يعتبر أزمة اللجوء مشكلة أوروبية، وليست مسؤولية أي من دول الاتحاد الأوروبي حلها، ولكن أي نظام لتوزيع اللاجئين على الدول الأوروبية وفق نظام الحصة، لأنه لم يتم استشارة اللاجئين أنفسهم. فهل سوف يتجه لاجئون تم توزيعهم على دول البلقان أو البلطيق إلى تلك الدول؟ وإن ذهبوا، فهل سوف يستقرون هناك؟ يحتمل أن تكون الإجابة بلا و لا.
ولكن، تتساءل الصحيفة عن مصير اللاجئين غير السوريين الذين ينتشرون حالياً في جميع أرجاء أوروبا، إذ تقول ألمانيا بأنه يجب إعادة معظمهم إلى أوطانهم، ولكن كيف؟ هل سيتم ذلك بالقوة؟ وربما تقبل ألمانيا وغيرها من دول شمال أوروبا، في نهاية الأمر، بقاء هؤلاء من طالبي اللجوء، وإلا سيواجهون تشرداً جماعياً في شوارعهم، إذن لن يعود هؤلاء طواعية إلى أوطانهم بعدما قطعوا قارتين بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأبنائهم.
وترى ناشونال إنترست أن ما فعلته ألمانيا خلال 3 أسابيع من مثالية غير منضبطة لمستنقع سياسي، قد تتردد صداه لأجيال قادمة، وستمضي أوروبا، في نهاية المطاف، في الطريق الذي سلكه أوربان، وستعيد تنظيم وضبط حدودها الخارجية، وستبقى اتفاقية الشينغين قيد التنفيذ، وسعداء الحظ الذين وصلوا إلى أوروبا سيبقون هناك أيضاً.