منيرة احمد – نفحات القلم
كنا قد نشرنا الجزء الاول من حوارنا الذي طرحناه على صفحات التواصل الاجتماعي ووردتنا الكثير من التعليقات القيمة حول الموضوع
ولظروف خاصة تأخر بعض الاصدقاء عن التعليق
وقد وصلتنا هذه المشاركة القيمة من صديقنا يوسف غانم وها نحن ننشرها لتكون مكملة لما طرحه الاصدقاء من اراء
أبدأ بقول الشاعر الكبير نزار قباني في تعريف الشعر Zuhaer Ganem
اشعر ليس حمامات نطيرها …. نحو السماء ولاناياً ولاريح صبا
لكنه غضبٌ طالت أظافره …. ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبَ
ومن ثم أقول ما اعتقده عن الشعر وهو إنّ لفظ كلمة الشعر مستوحاة من الشعور والشعور هو ما اختصَّ به الإنسان دون غيره ، وعلينا التمييز بين الحس الذي قد تشترك فيه كافة الكائنات وبين الشعور الذي اختص به الإنسان دوناً عن غيره ، ولذلك أرى فعلاً بأنّ الشعر هو كما تقدّم في عرض الصديقين الأستاذ حيدر علي والأستاذة منيرة أحمد بأنه حالة وجدانية ليس ناظمها فقط بل وخالقها وموجدها الإيقاع الداخلي الذي ينبجس و يتشظّى بإيحاءات شتى تترجمها موسيقى الإحساس شعراً يحاكي شعور كل من يشاركه كل تلك التفاعلات ولكنه ربما لا يملك تلك الملكة فتراه يتذوق ما قاله الشاعر وكأن كل منهما يسكن روح الآخر .
أنّ الشعر حالة تمرد وانبثاق وانبعاث وانفجار تحاكي تلك الحالة التي سبقت وبلحظات قليلة ذلك الانفجار العظيم الذي شكل كوننا ولازال مستمراً برسمهِ إلى الآن ، كذلك هو الشعر حالة من التمرد المستمر على كلّ ماهو رتيب لاتخضع لقانون يقيدها إلا لقانون الإنسانية والشعور فائضةً على كل تلك البحور التي تنتسب هي للشعر وليس الشعر هو من ينتسب إليها فجميعنا يعرف بأن الشعراء والشعر قد كانوا قبل أن يكون الفراهيدي وبحوره ، وهنا ربما كل ما يعنيني من تلك البحور هي عبارة يا خفيفاّ خفت به الأوزان وأُعمّمها على كافة إخوته البحور الباقية فلا بحور للشعر سوى بحر الروح والخيال والحب والوطن وكل ما قد يجول في النفس الإنسانية من اختلاجات .
وبالنسبة لمن قد يقف في وجه التجديد في الشعر أقول له بأن الشعر كالنهر لا ينتظر الإذن من أحد ليتابع مجراه فهو إبن الزمان وقاموسه وكل من سيقف في وجهه سيلقيه على ضفته ويتابع المسير أما من يتابع المضي معه قُدماً أقول بأن هو من سيحملنا وليس نحن من سيحمله , ويحضرني هنا قول الشاعر عنترة قبل قرابة ألفي عام
هل غادر الشعراء من متردمِ………أم عُرفت الدار بعد توهمِ
معلناً بأنه ما عاد هناك ما يمكن أن يقال في الشعر ولو كان ذلك صحيحاً ولولا التجدد القائم أبداً في الشعر والشعور لما كان بقي قائماً ( أي الشعر ) كعمودٍ من النور إلى الآن وسيبقى كذلك إلى الغد الأبعد الأبعد من عمر الزمان .
ولكن وبكل حال نرى بأن مجال الأدب ككل وليس الشعر فقط قد ضاق أفقه من ناحية الانتشار والمتابعة وقد تكون الأسباب كثيرة والمسببات متعددة ابتداءً من المادية إلى الاجتماعية, المادية بسبب غلاء سعر الكتاب واجتماعية تتعدد من استهلاك الروح البشرية بكل تلك الحالات والبرامج والقشور الإعلامية التي ملأت مساحات المشاهدة أو الاستماع في محطات التلفزة والإذاعة , إلى إغراقها ( أي الروح البشرية أو النفس ) بكل هذا الكم الهائل من الضغوطات الحياتية المختلفة , ومن هنا كانت فكرة الفيس بوك كمساحة حرة ومُتاحة لكل من يريد وبكلفة مقبولة وبأي وقت كان , كان فكرة تخدم الجميع من كتّاب ومن قراء على حدٍ سواء فقد أعطى الفيس بوك الفرصة لعديد الكتاب والشعراء للظهور وقد كان ذلك شبه غير ممكن لمعظمهم لعدم قدرتهم على حمل تكاليف الطباعة أو إقامة الندوات والأمسيات الأدبية أو الشعرية وبنفس الوقت أعطى المجال لمن يهتم فعلاً بالإطلاع على العديد من الأسماء المغمورة والتي تستحق أكثر مما هي عليه ولكن مجرد فكرة فهمنا لهذا الموقع أو المجال التواصلي لم تنضج بعد إذ أننا كما نلاحظ بأن متابعة أو مشاركة الأفكار المطروحة على أثير الافتراض لا زال يخضع لطبيعة العلاقة وليس لمستوى جودة النص , أو يستند إلى مبدأ حكّلي لحكّلك حسب المثل الشعبي المعروف ، فواحدنا لايبدي إعجاباً إلا لمن يبادله ذلك وكأننا في سوق مقايضة مشاعر لا تقييم أفكار ومن هنا نرى بأننا قد سطحنا الفكرة إلى حدٍ غير مقبول وإني لأرى في ذلك غاية الخطأ فمن غير المنطق المجاملة في هذه الأمور وإن كنا نريد المجاملة فلنبدي إعجابنا بمنشور يحتوي على باقة من الورد وهذا ليس بالشيئ الخاطئ من باب اللطف ولكن أن نجامل معجبين بما لا يرتقي لمستوى المديح فهذا فيه شيء من النفاق والكذب فأين المنطق في امتداح نص لا يقنعنا لأننا نريد فقط مجاملة كاتبه , وإهمال نص آخر على قدر من الجودة والجمال لأننا فقط لا نعرف كاتبه أولا نحبذه .
وتبرز هنا أيضاً فكرة إهمالنا للنصوص الطويلة مهما بلغت قيمتها الأدبية بحجة ضيق الوقت فترانا نتفاعل مع النصوص القصيرة مهما كانت فارغة المضمون في تظهر حالة إهمال النص الجيد الطويل مقابل الاهتمام بالرديء القصير كما أشرت سابقاً .
وبناءً على ما سبق نرى عدم قدرتنا على اعتماد شاعر أو أديب الفيس بوك شاعراً اواديباً لأنه غير مطبوع وفي هذا الشيء الكثير من الظلم والتظلم فكثيراً من شعراء الكتب لا يرتقوا إلى البعض من شعراء وأدباء الافتراض ولكن لأولَئك قد سنحت الفرصة ولهؤلاء لم تتح ومن الإنصاف فعلاً ومن الحق والخير إنصاف كلاً منهما بحسب قيمة إنتاجه لأن ما يهمنا هنا هو قيمة ما يكتبون وليس الطريقة التي ينشر فيها ما كُتب , بكل حال أنا لا أدعو ولا أدّعي بأن يكون الفيس بوك بديلاً عن الدواوين والندوات لأن الفيس بوك على الأقل لا يملك قانون حماية الملكية ومن هنا نجد إمكانية ضياع حق الكاتب أو الشاعر في إنتاجه ولكن أدعو بأن يكون الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل كرديف مهم للدواوين والندوات من باب إتاحة الفرصة لكل مجتهد ومستحق .
بكل الأحوال وبنظرة سريعة نجد بأن الشاعر بات كائناً شبه غريب في هذا العالم الذي فرغ من شعوره أو كاد, فهو بات ينظر أي هذا العالم للشاعر كنظرته للشاة التي تحسن الثغاء ولكنها لا تدر الحليب متناسيين بأن أعظم الحضارات كانت حية وبقيت كذلك من خلال منيرة وبناءة .
أمّا كيف ننقد القصيدة : قد يكون هذا من شأن المختصين ولكن يحق لكل قارئ ابداء رأيه على الأقل ولكن أعتقد كي يحق لنا ذلك علينا أولاً أن نفهم ونعي معنى الشعر وأبعاده ولكن قبل كل ذلك أن نكون مقتنعين بأي نقد بناء يوجه لنا وقبل كل شيئ أن تكون لدينا القدرة عل نقد أنفسنا أولاً
وفي الختام يحضرني قول للشاعر الدمشقي الكبير نزار قباني في أولى قصائده
فيا قارئي يا رفيق الطريق
أنا الشفتان وأنت الصدى
سألت بالله .. كن ناعماً
إذا ما ضممت حروفي غدا
تذكروأنت عليها
عذاب الحروف لكي توجدا
وقول آخر قد أوردته أنا بنص سابق كنت قد نشرته هنا على الفيس بوك مُسبقاً بعنوان القصيدة النبوءة وقد شبهتُ الشاعر حينها بالمحارة التي تحتمل ثقل المحيط وبرودته وظلمته ملايين من السنين لتنتج اللؤلؤ ولكن حين ظهوره الكل يصفق لجماله ويتزاحم الفوز بقيمته المادية وينسون أو يتناسون بأن اللؤلؤ ما هو إلا دموع المحار لاغير.