هل فكرت يوماً فى أن شيئاً جيد أو سئ سيحدث وحدث بالفعل؟
.. أو ألغيت مشروعاً أو أمراً ما بدون سبب محدد لشعورك بخطب فيه، وأكتشفت بعد ذلك أن آثاره على حياتك إذا نفذ كانت ستكون وخيمةً؟.. أو قررت قراراً لا يستند على قناعاتك لإحساسك الشديد بالراحة تجاهه ووجدت بعد ذلك أن قرارك كان صائباً وفي محله؟.
. إذا حدث ذلك لك ، فأنت بالفعل قد أختبرت الحدس …
إن الحدس معرفة غريزية أو فطرية تأتينا بشكل تلقائي وعفوى أى طبقاً للسليقة ، فنحن لا نعرف كيف نتعرف على الأشياء أننا نتعرف عليها فحسب ، فهو نور البصيرة والإلهام الإلهى بداخلنا، هذا النور يشع من أرواحنا الرقيقة وتنطلق أشعته بالتعاطف القوى والرقيق مع الأشياء وتجنيب العقل والتفكير المنطقى، وإستجابة لأمر المرور لدخول هبات الرحمن وكملكه من عنده سبحانه.
ماهية الحدس:
الحدس ما هو إلا إتصال بوعينا الداخلى .. ويتشكل هذا الوعى من فطرتنا السليمة وخبراتنا ومعلوماتنا المتراكمة والمخزنة فى الذاكرة وفى العقل الباطن، فكلنا له حدسه بلا تفرقة، ولكن الكثيرين منا إهملوا إستخدامه وذلك لعدم إيمانهم بوجوده أو بقدرتهم على إستدعائه. كيف نستدعى الحدس؟ نستدعى الحدس بشكل باطنى وعفوى فى حالة الوعى "اليقظة" أو فى حالة الحلم ، وذلك عندما تقف الأسئلة بداخلنا دون إجابات ، فنسئل وعينا وبصيرتنا الداخلية – دون أن نلاحظ – عن الإجابة الصحيحة – وفجأة – تظهر الإجابة الصحيحة ، والتى نظن أنها أتتنا دون سؤال لكننا بالفعل سئلنا وعينا الداخلى عن الإجابة برغبتنا القوية فى إيجاد حل للخروج من حالة الجهل أو حالة اللامعرفة. فكل ما نحتاجه فى وعينا منذ ولدنا والحدس ما هو إلا ظهور هذا الوعى على السطح عبر إستدعائنا له ، فنحن نعرف أكثر بكثير مما ندرك ، فالله تعالى قد وضع كل ما نحتاجه من إجابات فى وعينا وفطرتنا الداخلية السليمة، وكل ما يحدث عند ظهور الحدس أننا نرجع بشكل مؤقت لهذا الوعى و لفطرتنا السليمة، والتى حجبناها فى السابق بالشك والتردد فى قدرتنا على إستدعاء الإجابات الصحيحة .. هذا الرجوع قد يكون نتيجة لتعاطف قوى مع الأحداث من حولنا، أو لرغبة ضاغطة وملحة فى المعرفة. كيف نطور الحدس لدينا؟ وقد يتسائل بعضكم ولماذا نرغب فى تطوير الحدس لدينا .. نحن بخير هكذا؟! .. والإجابة أننا كبشر محتاجون لهذه الملكه بشدة للنجاح فى حياتنا، فإذ لم نقوم بتطوير حدسنا سنضطر لإتخاذ قراراتنا بناء على تفكيرنا المحدود والذى لا يستطيع إعطائنا الحقائق الكاملة عن الواقع الذى نعيشه.. أن حدسنا هو إستماع لتوجيه الله بداخلنا "لمرشدنا الخفى" الذى يأخذ بأيدينا، ولكى نستمع لهذا التوجيه الإلهى يجب أن نطور حدسنا بكل ما نملك من وسائل. والآن أتخذ قرارك ..
هل تريد أن تطور الحدس لديك ؟! .
. حاول إذاً من اليوم أن تستمع لمشاعرك بشكلاً صحيح ولا تتجاهل الرسائل الخفية التى تشعر بها بداخلك .. تعلم الإستماع لذاتك الداخلية (هدئ ذهنك) بإستخدام التأمل، وبعد الإستماع لتلك الرسائل عليك إستيعاب المعلومات التي تصلك بشكلاً جيد وإلا ذهبت تلك المعلومات منك وطارت في الهواء ولم تستطع الإستفادة منها، أجعل معك نوتة صغيرة سجل فيها إحاسيسك القوية تجاه أى شئ، وكلما شعرت بفكرة ملحة تخترق مجال عقلك وتفرض نفسها سجلها في مفكرتك، وكأنك تبني بيتاً من المكعبات ولكي ترى الشكل النهائي لهذا البيت عليك أن تجمع تلك المكعبات مع بعضها البعض وتحاول رصها بشكل صحيح لتحصل على النتيجة المطلوبة.
وأعلم أن أصحاب الحدس الجيد بارعون فى قراءة مشاعرهم ويستشعرون ترددات أفكارهم بحساسية عالية ، فإذا صادفهم تردد مضطرب إنتبهوا لوجود مشكلة أو خللاً ما، وإذا صادفهم تردد هادئ لم يهملوا الإحساس بالراحة تجاهه جميع الرجال العظماء لديهم هبة الحدس..
انهم يعرفون دون برهان أو تحليل ما هم بحاجة إلى معرفته ولكي تصبح حدسي جيد يجب عليك كذلك أن لا تفقد الإتصال بروحك وماهيتك الحقيقية ، فالحدس هبة من الله تعالى لا يتقنها إلا المتصلون به .. فأنت لكى تتقن الحدس يجب أن تتواصل مع فطرتك وماهيتك الحقيقية ووعيك وإدراكك السليم تواصلاً جيداً، تواصل يخلو من العوائق فى مجال الإتصال، فلا تدع مجالاً لتذبذب قيمك ومفاهيمك ومبادئك، أو ترتدى أقنعة مشوهة لفكرك السليم وشخصيتك المؤمنة بربها.. فالروح تعرف ربها وتعرف طريقها القويم إليه، "فهي نفحة منه سبحانه" فلا تقف فى طريق إستنارتها وأتبعها دائماً حتى ترشدك للصواب. نريد كلنا أن نكون "حدسيين" أليس كذلك ؟
* اعداد فؤاد حسن حسن