المتغـيرات العـربـية والدوليـة ( التاريخــية ) بعـد الحـرب على سورية
…كُشـف الغطاء وظَهَرَ عُـــرْيَ الحامي الأمريكي وعُــهْرَ الممالك المحمية
…تَفَرُّدُ القطب الأمريكي : ألغى الثقـافةَ والحـوارً واغْتالَ الفـكرَ والمُفكرين
المحامي محمد محسن
لا تَيْأسوا، ولا تُيَئِسوا، وعلينا أن نَعلم ، ونُعَلِّمَ، بأن الصمود السوري، ليس صمود دولة في وجه عدوان عادي، وإلا لكان انتصاراً محلياً وجزئياً، وكان ما قدمته سورية من شهداء أبرار، ومن دمار شامل، أكبر بكثير من حجم الانتصار الذي تحقق أو يكاد، ، ولكن عندما نضع الحرب في إطارها التاريخي الحضاري الانساني، [ سورية وحلفاءها ، بمواجهة قطب ينصب نفسه حكومة عالمية ] يظهر لنا بجلاء الدور التاريخي العظيم الذي أداه الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وحجم الانتصار النوعي التغييري الذي حققه، ومساحة الارتدادات الإيجابية التي ستترتب عليه في كل دول العالم .
.
فالحرب لم تكن بين دول ودولة، بل كانت حرب قطب عالمي متفرد بكل حلفائه وذيوله، يحاول لَيَّ عنق التاريخ، من خلال سحق سورية ( بوابة الشرق ) الدولة الهامة تاريخياً وجغرافياً، ومن ثم تدميرها، لتكون عبرة للقادم الأهم من الحروب المخطط لها، لاستكمال السيطرة وتأبيد القطبية الواحدة، خلال القرن الواحد والعشرين، واعلان الانتصار التاريخي، وإغلاق الطريق نهائياً على الدول التي تسعى لتشكيل قطب عالمي جديد منافس، وبالتالي تسييد امريكا في حكم العالم، ومن ورائها تابعها أوروبا ، تقتل من تشاء وتحيي من تشاء .
.
من هنا يتعزز لدينا أهمية الصمود السوري، والنصر المؤزر الذي حققه، والذي أدى إلى وقفِ وصدِ طغيان القطب العالمي الأوحد ـــ العسكري، السياسي، الاقتصادي، الثقافي، القيمي ـــ الساعي لتأبيد النظام الرأسمالي الغربي، بمفاهيمه ــــ النفعية، التي تشيء الانسان، وتنمي عنده روح الفردية المطلقة ، وتنزع منه بعده الانساني، وتعاطفه مع الآخر أي آخر، فرداً، او شعباً، وتوقف الحوار، وتغتال الفكر والمفكرين، لأنه وبعد سيطرة القطب الواحد، يسيطر نمط فكري رأسمالي واحد، وبذلك تصبح حركة التطور الحضاري الانساني عرجاء، تسير على قدم واحدة، مما أخل بالتوازن الحضاري .
.
لذلك كان علينا أن نضع هذه الحرب على سورية، ضمن اطارها التاريخي، ونعتبرها حرباً مفصلية، انسانية، حضارية بكل أبعادها، تمس مصالح كل انسان ساعٍ نحو الحرية، هذه الحرب وضعت أوزارها كلها على الميدان السوري، استجابة للأزمة الحضارية الخانقة، التي يعيشها النظام السياسي ـــ الاقتصادي العالمي على وجه العموم، والرأسمالي الغربي المتوحش على وجه الخصوص، الذي يمثل القوة الغاشمة التي تتجاهل الشرعية الدولية، وسيادة الأمم والشعوب الأخرى، بل بات همها إثارة الحروب وقتل الشعوب، [ هذه القطبية الواحدة أوصلت التاريخ إلى عنق الزجاجة ]، وطغيان دولة ـــ هي الولايات المتحدة الأمريكية ـــ فجاء الحل الجذري على الميدان السوري .
.
هذا القطب بكله وكلكله كان يسعى لإخضاع الاسهامات الحضارية لجميع دول العالم، لسطوته، وسيطرته، وتنضيد الوجود الدولي ( سياسياً، وثقافياً، واقتصادياً، واجتماعياً ) بما يخدم تحكم قطبيته بمسيرة التاريخ، وبعد ذلك تغتصب أمريكا نتائج هذا التحول حتى من محورها ذاته، وذلك بإخضاع حتى الشركاء لإرادتها، لأن السيطرة هنا دائماً للأقوى، وبخاصة بعد اغتيال التجربة الاشتراكية السوفييتية ــــ الرأي الآخر لحضارة البشرية ـــ بغض النظر عن انحرافات التجربة السوفييتية الاشتراكية .
.
القطب الغربي العدواني الرأسمالي هذا، وبعد سقوط جدار برلين في تشرين / 1989 / طغى وبغى، وانصرف إلى اغتيال حركة التحرر العربية والعالمية، مصادراً [الرأي الانساني الآخر المعارض ]، وهذا أدى إلى وقف الحوار داخل المجتمع الواحد، وما بينه وبين المجتمعات الأخرى، لأن الفكر الرأسمالي النمطي المسيطر، أصبح بدون معارضات .
.
وهذا بدوره أدى إلى وقف النشاط السياسي ــــ الاجتماعي ـــ الثقافي، في الغرب والشرق، كما أدى إلى موت الأحزاب السياسية المعارضة والمتعارضة، والنقابات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، النشطة التي كان همها الدفاع عن الطبقات العمالية في الغرب، وطغيان وسيطرة الأحزاب اليمينية، التي تمثل الشركات الاحتكارية، على الواقع السياسي والفكري الغربي، مما دفع شعوب العالم الثالث إلى قوقعاتها الدينية ـــ المذهبية، وهذا يعلل استخدام الفكر الديني في حروب المنطقة، فكانت المحصلة وقف الحوار الثقافي، والانتاج الفكري : ببعديه الفني ـــ الأدبي ـــ، والفكري ـــ السياسي، في كل أنحاء العالم .
.
فالحوار يحتاج إلى رأيين، في الوقت الذي بتنا فيه تحت سطوة ثقافة مادية ـــ نفعية ـــ استهلاكية واحدة، وجمود فكري، وبات الحوار فيه للمدفع، وللقتل المجاني ، حتى وصل الأمر إلى تبلد الحس الانساني، وعدم التعاطف مع القضايا الانسانية، حتى وعدم الاعتراض على الجرائم التي ترتكبها امريكا وحلفائها، في العالم، والتي يجب أن تدمي قلوب الانسانية، والتي كانت تحرك مشاعر الشعوب الغربية كلها، حادثة أصغر مما يجري الآن في اليمن بألف مرة .
.
…. أجيال وليس جيلاً واحداً طحنتهم رحى الحرب، يملأهم اليأس، حتى كاد يغيب عنهم الأمل، فأصيبت الأجيال بحالة نكوص، ورجعة إلى اوهام وكهوف الماضي الدينية، الذي دفعهم الغرب إليها، ليبقِ المنطقة في غيبوبة حضارية، مما عزز عند شعوبنا الشرقية الشعور بالدونية تجاه الغرب، وراحت تقلده في جميع مفاهيمه، وممارساته، حتى في غنائه، وأكله، وشربه، ففقدنا الهوية، وغاب الأمل، وبات الوطن أفراداً لا مجتمعاً متماسكاً، حتى كادت أن تضيع المشتركات الوطنية، لصالح التباينات المذهبية والقومية، التي أراد ترسيخها العدو وعملائه .
.
لذلك ونتيجة للإنفاق الأمريكي العسكري الهائل، وخسارتها لجميع حروبها، والتي أوصلت أمريكا ذاتها إلى أزمة اقتصادية خانقة ، مما دفعها لشن حروبها الاقتصادية، التي جعلت العالم كله يعيش حالة انكماش، وجمود اقتصادي، حتى أوصل العلاقات الأوروبية الأمريكية إلى حالات من الفتور، والتململ، وفقدان للثقة حد التفكير بالتمرد .
.
……[ لذلك فإن جميع الشعوب المتطلعة نحو الحرية والخلاص من الأسر الأمريكي، تراهن على الانتصار السوري كمنقذ ]
.
…………. مما جعلني وبكل ثقة أراهن على الاستنتاجات التالية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـــ اضطراب داخل الادارة الأمريكية ( بين ترامب ومستشاريه ) و ( بينه وبين المؤسسات الثلاث، ) و ( بين المؤسسات والمجتمع المدني، ) وستستفحل هذه التناقضات وقد تقود، بل أجزم انه ستقود إلى خروج بعض الولايات الأمريكية من الاتحاد، في المستقبل غير البعيد .
2ـــ سحب القوات الأمريكية من سورية والعراق بالتدريج لأنها باتت رهائن .
3ـــ تخفيف ومن ثم سحب اضطراري لبعض القواعد الأمريكية ، من الشرق الأوسط، لعدم الجدوى .
4 ـــ ضمور ثقة ممالك الخليج بمدى فعالية الحماية الأمريكية، وتقديم تنازلات لدول المنطقة تصل حد الاعتذارات، وستلجم تحركاتها التطبيعية مع اسرائيل .
5 ـــ ستبقى اسرائيل تعربد، رغم انكشافها، وهي تبحث مع الوسيط الروسي وليس الأمريكي، من تحت الطاولة، عن صيغة تعايش مع دول المنطقة، ولن تفلح، وستصل حد الترجي .
6ـــ تخلخل العلاقات الأوروبية الأمريكية، وتطلع أوروبي نحو الشرق، ـــ ولقد أكدت على هذا منذ ثلاث سنوات ــــ
7ـــ نشاط ملحوظ، ومغاير، وجاد، ومتصاعد، للمؤسسات الدولية، للبحث عن مشتركات دولية، ولملمة ما فرقته ومزقته أمريكا وحلفائها، والبحث عن صيغ لحل الصراعات الدولية سلمياً، والتي كادت أن تأخذ العالم إلى تهلكة حرب .
.
[ ……………..كل هذا كان نتاج الصمود السوري التاريخي، الذي دفع الأصدقاء للمواجهة في الميدان السوري، قبل أن تصل النار إلى ذقونهم . ]
[ سيقول البعض هذه أضغاث أحلام، وسيقول البعض المتشائم ضرب من الخيال، وأنا أجيب وبثقة الواثق ( أنني قد ألمحت إلى هذا بل أكدت عليه منذ أربع من السنوات ) هذا ليس تنجيما،ً ولكنها مقاربة استراتيجية، ورؤية من الأعلى للواقع السياسي الدولي وتناقضاته، وطبيعة الصراع، وسبل حلها، وما سيؤول إليه الواقع، ]
[[ لذلك فإن تضحيات الشعب العربي في سورية التي لا حصر لها، والتي لا يمكن تقديرها بثمن، ستحقق انجازاً سيقلب المعادلات الدولية ، ويفتح فرجة تاريخية أمام مستقبل البشرية ( ليس في هذا أية مبالغة ) ]]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ