عفوا صاحبة القداسة.
لم أكن أشتهيها كما يشتهي بعضنا بعضَهم عادة، بل قاربت الجنون بجبّها، كانت مُضافة بشكل كوني إلى كل المرئيات من حولي..
– ويلي أين أنا من جبل سكّرها الفارع وأين أنا من خام عسلها النادر.؟!
أرجو من الله المغفرة فقد كانت ترتسم صورتُها على سجاد الصلاة دائما، لم أكن أعتبر نفسي مشركا بحسب ما شرح لنا إمام المسجد المجاور، بل اعتقدت أن الله حين يريد أن يستدرجنا إلى حبّه الأعظم يضع بين أيدينا تمرينا صعبا كهذا، الأكيد يفعل معنا كما يفعل صانع الألعاب بالأطفال، حين يصمم لهم اللّعبة بجودة تجعلهم يصرخون كلما يفتقدونها، أفخر أن قلبي طفل وأنها لعبتي التي جعلتني أقف أمام الله أنقر على باب جنته ببراءة، هكذا استفتيت نفسي ولم يفت لي أحدٌ، قلت:
– حرام أن يدخل النار قلبٌّ محبٌّ كقلبي.!
حتى أنتم أعتذر لكم جميعا فقد كنت أستعير وجوهكم لأرى وجهها، أصبّح وأمسّي ألف مرّة كي لا تغيب صورتُها عن أمامي، شكرا على إسعافكم لي حين حملتموني على وضاءة وجوهكم حتى أظل أراها منارة فيكم.!
قال لي أترابي:
– إنك تقول شعرا.!
ضحكت على بلاهتهم حين خفت أن أنشغل عنها بقول الشعر، فتنحيت من بينهم واعتليت مقعدي، وكما كان يفعل الشعراء في سوق عكاظ رحت أعبر بكل ما أتت لغتي وحركاتي ومجازات الأحاسيس:
– خذوا ما طالب لكم من الشعر واتركوها عصفورة تلعب وتغرد على كتفي.!
ها سكََنتْ في أنا ملاكا.. احتوتني فصرت أتحرك بإرادتها.. كنت أقولها دائما، أقول:
– ليس مجنونا من يسكنه كائن جميل يشبهها في وجهها وفي روحها..!
قلت لن أكرر خطأ بن الملوح، فأقول كل ما لدي عن ليلى ولا ألتفت إلى المحيط بي لقنعهم بأني لست مجنونا، ثم اصرخ في وجوهم:
– أنتم المجانين حين لم تحبّوا بالدرجة التي أحببت بها أنا.!
صرت فيلسوفا أحدث الناس بحب خرافي غير الذي ألفوه.. ولطالما رحت أهز إلي بجذع صدرها يتساقط على قلبي خفقُها كحبّات الرمان.. آكل وأشرب وعلى ركبتها أنام.!
غبتُ فيها ولا أحد يعرف أين أنا، ذائبٌ متلاش في ذاتها، وأوصي جوارحي وإياي بإلحاح:
– لا تدلّوا أحدا على قلبي فهو لها وحدها، ولا تخبروا الآخرين كيف متُّ فيها، وكيف قرأت على روحي الفاتحة.!
مسدودة أذناي عما يقول أترابي وأعمى عن كل شيء إلاّ عنها.!
وحتى لا أموت مجنونا في صحراء من الإسفلت الساخن، دخلت حديقة ذاتي حيث أينعتُ ربيعا وافر الخيرات، انتقيت لها من كرياتي الحمراء والبيضاء أندر الورود، بينهما بينما أنا أحشد لها ما تشتهي النساء من الخفق، إذ بها تفعل بي كما تفعل ذئبة شرسة، فتحت صدري وعرّتْ على شراييني وعضتني في بؤبؤ قلبي، تركَتْ أثار أظفارها كالسهام على جسدي، أهدرت دمي وانطلقت جنّا ماردا لا أدري كيف اختبأت، لملمت شراييني وخفقي وأدمعي، وعلى الطريق الآخر عزمت رحيلي إليْ، حيث الله وسجاد الصلاة وزوجتي وأولادي ووجوه أترابي وكل أحبابي.!