«”أورنينا” هو اسم مغنية المعبد السورية، والتي يعتقد علماء الآثار أنها أول من غنت على سطح الأرض، وكان ذلك في عام /3500/ ق.م».
“أورنينا” المغنية والموسيقية والراقصة في معبد عشتار في مدينة (ماري) الواقعة في جنوب مدينة دير الزور. يعتبر تمثال (أورنينا) المحفوظ في المتحف الوطني بدمشق من روائع فنون الشرق القديم. يبلغ ارتفاعه
25.4 سم وعرضه 13.5 سم، يعود تاريخه إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد. عثر عليه في معبد عشتار في مدينة ماري الأثرية، وهو من حجر الألباستر الأبيض
الجميل. تبدو أورنينا في تمثالها، بملامح وجهها المعبرة عن شعور إنساني وانفعال باطني، ولها حاجبان ظاهران ومتصلان لهما شكل قوسين جميلين فوق عينين
كبيرتين شاردتين ومعبرتين أجمل تعبير عن جمال أنوثتها وفتنتها، يشع منها الذكاء والنباهة. ولأنفها شكل يشبه المثلث. وشفتان رقيقتان متصلتان ببعضهما تتجسد
فيهما جمالية الصمت الناطق. ولها ذقن جميل، وخدان ممتلئان وأذنان كبيرتان نسبياً ينساب شعرها الأسود المتموج الجميل من قمة رأسها خلفها إلى ظهرها حتى
سوية خصرها، وهو أملس في أعلاه وأجعد في نهاياته وصدرها عار.
وهي جالسة على وسادة مزخرفة مستديرة الشكل وعالية، يداها غير ثابتين، تبدو يسراها كأنها تمسك بآلتها الموسيقية، وتبدو يمناها مرتفعة قليلاً كأنها تعزف على
هذه الآلة الموسيقية.. وتبدو أورنينا في تمثالها الجميل متدثرة بتنورة لها شكل سروال ينحسر عن ركبتيها، ويدل على أنه لباس راقصة إلى جانب كونها مغنية معبد
عشتار وموسيقية فيه. ويبدو على ظهرها كتابة مسمارية تتضمن اسمها “أورنينا” وأنها قد نذرت تمثالها لمعبد عشتار، الذي عثر فيه هذا التمثال الفني الجميل الرائع.
والجدير بالذكر أن عادة تقديم التمثال نذوراً إلى الأرباب تشبه عادة إشعال شمعة في كنيسة أو كاتدرائية. كان هذا التمثال الفني الجميل وما زال موضوع دراسات فنية
وجمالية وتاريخية عديدة. فقد دل هذا التمثال الحجري الهام على وجود (ورشات نحت) في العاصمة الأمورية (ماري) حريصة على إبداع روائع نحتية متميزة كتمثال أورنينا الذي دلّ على ما يلي:
مهارة ذلك الفنان النحات وميله إلى الأسلوب الواقعي مع اعتماده على خياله مصدر إلهامه..
– حسن اختيار مادة هذا التمثال من حجر الألباستر الجميل.
– حرص ذلك الفنان النحات على جمالية التعبير عن الانفعال الباطني وجدلية الحياة والحركة.
– أهمية فنون الغناء والموسيقا والرقص ومدى ارتباطها بالديانات القديمة وطقوسها التي تهدف إلى نشوة الإنسان وتمتعه بالفرح والسرور والغبطة الروحية.. –
أهمية الثقافة الموسيقية في ماري عاصمة الأموريين وأقطار الشرق القديم، ومدى ميل سكان سورية القديمة إلى هذه الفنون واستغراقهم في عالم ظهر لهم بكائناته الجميلة كأجمل موسيقا، في عصر كان فيه الإنسان جزءاً من الطبيعة الجميلة وقريباً منها، يتغنى بجمالها ويستوحي منها. ويضفي الجمال عليها بأغانيه الروحية وموسيقاه الطبيعية.