الى صديقي عبد الوهاب الرقيق :
_____________
أذكرُ أنّي
عدوت بحوافر وحشية في الفراغ..
وأذكرُ أنّ الطريق سقى حذائي
– كم مرّة –
كأسا حادّة .. كالخيانة..
.
وأذكرُ أيضا ،
أنّ حذائي صار يغيّر طريقه دائما ،
كريبيّ مذعور
وصار الحذاء يصيح :
أوّاه يا قرطاج ..!
ماسينيسا قد فرّخ بهذه الأرض مرة أخرى..
وهذا البلد
لم يعد يَحتمل ..!
.
وأذكر أني كثيرا .. بكيت
وأنّ الرفاق كثيرا .. بكوا
من أجل الحاضر الذي كان ينقص حاضرنا
والغد الذي كان ينقص غدنا ..
.
وأذكرُ أنّي نِمت في الطريق العسير يتيما
كفردة حذاء ..
وأنّي ، من الحزن ،
شويت قلبي الدميع
لقطتي وكلبي
فلم يأكلا منه .. اكتفيا بشمّه ،
ومذّاك صارا ، معي ومثلي ، يمضغان الوجع ..
وصرت وحيدا
وصرت شريدا
أفعل الحُبّ قليلا .. دون حُبّ
وبعضي غياب
يلفّ حضوري
وبعضي طين
يدعكه الهلع ..
.
وأذكر أنّي سمعت صراخ شجرة بالمدينة:
هنا عطن كثير
هنا كفن
هنا الكلوروفيل.. بلا وطن ..
.
وأذكر أنّي شهدت رحيل الشجرة مذعورة من المدينة البائسة..
وأنّي لاحقتها في هجرتها.. وهجيرها..
ورأيت بعين القلب عناقها للغابة..
وأنّي عاينت يد الله وهي تقشّر الليل عن الفجر الثقيل..
وكان الله يرجو لها إقامة طيّبة بين بني لوحها
ويأمل للعشب حظا سعيدا مع خيوط الشمس..
.
وأذكر أنّي طوّفت طويلا تحت سحاب الله
أجمع الآهات والأحزان والأوجاع
وكنت أتخيّل أني أشدّها بحكمة كحزمة مضغوطة
وأرميها بقلب المدينة من علٍ
كزوبعة تليق كثيرا
بدولة جائرة ..
.
وأذكر أنّي ركبت السحاب .. بقلب وديع
فصار سقوطي دائما.. كالفَراش..
وأنّي كنت
– قبل نزولي في كل مرة –
أرتّب السحاب
أكحّل عيونه بعشق الأرض
ليصير الماء جميلا
عند كل بكاء ..
.
وأذكر أني مررت بالسّبيبة
– مدينة التفّاح في بلدي –
هناك ،
صعقتني قشعريرة وجودية غامضة
ووشوشت في سرّي الغامض جِدّا :
ربّي ،
هذه آلاف من الخطايا المغروسة..!
يا الله ،
إنّنا نغرس خطايانا.. ونسقيها.. ونسمّدها.. ونجنيها.. ونبيعها.. ونأكلها أكلاً لمّا..
إلهي ،
أنأكلها سُمّا ..!
.
وأذكر أنّي أكلت توتا .. وتينا حلالا
من عرف شجرة تدلّى بعضها
من سور في طريق عمومي
وكدت
أصاب
بلوثة
حُبّ
لصاحبة
البيت …
وأذكر أنّي
وأنّي .. وأنّي ..
كواني حنيني
فصرت نائما
إليها أمشي
أقول كلاما
وغيره أَعني
فأسرعت خطوي
إليكِ ببعضي
وسرت إليها
دفنتك ظلي
ولكني أبدا ،
أنا ما اندفنت …!
انيس عبيد
أستاذ فلسفة و شاعر تونسي