(ما زلتُ عاطلةً عن شغبِ الكتابةْ، على مذبحها أحصي نزواتي السَّابقات نزوةً.. نزوة، وما زالت الفكرة اليتيمة تحاول كسر القضبان للتملُّص من خياناتي المتكرِّرة بحقِّها.)
كلُّ نصٍّ يتربَّعُ على بياضِ الورقِ يقتطعُ منِّي جزءًا..
بشراهةٍ، يلتهمهُ صباحًا.. ظهرًا ومساءً.
يبدو بدينًا تندلقُ زوائدُ خاصرتهِ على الهوامشِ.. وتُخفي
ما أدوِّنهُ عليها من خربشاتٍ.
لم أعد أقرأ
كلما فتحتُ كتابًا يقفزُ أبطالهُ، ويتحصَّنون في حجري حرَّاسًا على الكلماتِ.. لكأنَّني أعتدي على حدودِ لغتهم.
آخر مرَّةٍ قرأتُ فيها كان شعرًا يتأرجحُ بين نثرٍ وقصٍّ، واكتشفتُ متأخِّرةً أنَّني كنتُ أقرأ إحدى مسوداتي.
لم أعد أبكي
منذ أن توقَّف المدُّ عن الانحسار..
واحتُجزتُ أسيرةً في دخانِ تبغكَ.
لم أعد أتذكَّر
نسيتُ اسمي.. رقم هاتفي وعنواني،
وأخبرتني ابنتي التي لم أنجبها بعد أنَّها عثرتْ عليهم في جيب عاشقٍ وسيمٍ يتحيَّنُ الفرصةَ لعناقِها، واختطافِ قُبلةٍ من شفتَيها.
لم أعد أحلم
صرتُ أعيدُ تدويرَ الماضي وأتَّكئُ على نافذةِ أطلالهِ.
لم أعد أتكلَّم
وجدتُ في الخَرَسِ ضالَّتي وتنحَّيتُ عن مناصبِ الثرثرةِ.
لم أعد أتنفَّس
قطعُ الأنفاسِ ولا قطعُ الأرزاقِ.. بتُّ الآن ضحيَّةَ تقلُّباتِ مزاجِ العُمرِ بعد كلِّ ما ذكرتهُ أعلاه.
4/4/2021
//
خلف البوَّابة الوحيدة للنَّص فكرة تتحيَّن الفرصة لاقتحامهِ بمهابة الفاتحين..
على إفريز نافذتهِ ريشتان مدجَّجتان بقواعدِ اللغةِ.. على أهبة الاستعداد لخوض غمار الورق واحتلاله.. إحداهما أغرقها شاعر بدمه، والأخرى تترقَّبُ طيفَ سفَّاحٍ يغرزها في عنق الكلمة.
هنا لا تحدث معارك إلا من أجل نصرة الكلمة وسيادتها..
هنا يسيل الحبر لحقن الدماء..
تنجو الفكرة ويموت صاحبها.. تتناسل وتلد نظرياتٍ عملاقة.
الرَّجل الذي تطفَّل على رائحة الحبر الفوَّاحة غرقَ في الزرقةِ.. ترك إبهامه طليقًا وبصمَ على البياضِ لأول فكرةٍ بلغت سنَّ الرُّشدِ.
المرأةُ التي لمحت ذاك الرَّجل فكَّت ضفائر الفكرة.. سرَّحت شَعرها.. وأطلقتها في سماء المعنى عروسًا مخضبةً بعطر شاعرٍ أبى إلا أن يترك بعضًا منه بين خصلاتِ شَعرها.
الطِّفلُ الذي جاء يلتمسُ رائحةَ امرأةٍ تركتها سهوًا على عتبة النَّص كان أعمى؛ فوقع في فخِّ النُّبوءة التي تقول إنَّ كلَّ مَن يجتاز العتبة سيُبصر.
الشاعر غادر النَّص إلى غير رجعةٍ.. الرَّجل انتحر وبقي إبهامه شاهدًا على نقاء الفكرة.. المرأة جُنَّت مِنَ الغيرة.. الطفل أبصر وفقد البصيرة، والفكرة أورقت.. ثمَّ أزهرت.. واتَّخذتِ الرَّبيع موطنًا لها.
5/4/2021
ريتا_الحكيم