نعمه العبادي
يعد المنتج الانساني بمجالاته المختلفة نتاجا بشريا، يسري إليه ما في الطبيعة البشرية من نقص وخلل وأشتباه وتحريف ومقاصد سيئة، ومما لا شك فيه، ان هذا المتراكم المعرفي الذي امتد على طول عمر الانسانية فيه الغث والسمين، وان الغث اكثر من السمين، كما، ان الانحياز بدرجات مختلفة حاضرا في معظم هذا المنتج خاصة فيما يندرج تحت مسمى العلوم الانسانية، مع التأكيد، ان كل فروع المعارف بلا استثناء فيها ما فيها.
وفي سياق متصل، فإن المنتج الذي يقع ضمن تصنيف التاريخ بأشكاله المختلفة، اكثر عرضة للتضليل والانحراف فضلا عن السهو والنسيان.
هذه المقدمة، لا تنفي ولا تعارض، وجود منتج كبير في كافة المجالات بما فيها التاريخ، يحوي حقائق مؤكدة وتفاصيل دقيقة، وقد دون بموضوعية وصدق وبمراعاة الشروط العلمية.
يعد (التحقيق) مهمة معرفية عالية المقام، كبيرة القدر، صعبة المنال، كلفتها ومؤنتها كثيرة، يجيدها الاوحديون ممن وطنوا انفسهم للبحث الدقيق والتحري والوقوف على الحقائق، وقد ساهم التحقيق في تصحيح الكثير من المسارات المعرفية، وهو حاجة مستمرة وملحة وضرورية.
اراقب عن كثب، خلال هذه الآونة ومن سنوات قريبة، الكثير من الادعاءات والسوالف والقصص والسرديات والمنشورات والصوتيات، التي تقدم نفسها بوصفها مراجعة او تحقيقا او تدقيقا، او انها اكتشاف معرفي، ومعظمها يطلق بصيغة التهكم والازدراء من معارف وقضايا وامور حساسة وخطيرة، يتصل معظمها بمعتقدات الناس ودينهم وموقفهم وتاريخهم، ويمارس هذا الفعل اشخاص ليس لهم ادانة اهلية القراءة الواعية والتدبر الدقيق فضلا عن التحري والتحقيق، ويتضح عندي جليا مقصدهم في التشكيك والطعن وطرح الشبهات واللعب على بعض الثغرات التاريخية والمعرفية، وفي كل الاحوال استغلال ضعف الوعي وبعض العواطف التي تنساق مع هذا الطرح، فضلا عن توظيف ادوات التكنلوجيا الحديثة.
بين الفينة والاخرى، أتلقى سؤالا مكتوبا او شفاهيا، مضمونه، فلان يقول كذا وفلان يقول عن كذا كذا، او اطالع فأجد بعض الذين يحسنون تسفيط الكلمات والعبارات وتنميقها، وهم يعبثون بقضايا حساسة ومهمة، تتصل بجوهر ايمان الناس وموقفهم من الحياة، والنتيجة هي بث الشكوك والحيرة، والطعن في كل ثابت ومحترم.
لقد نزت الحداثة وما بعدها على كل يقيني ومقدس وثابت تحت شعار لا قدسية لشيء إلا للعلم الحسي التجريبي، ومع ان التجريبيات بكل اصنافها مثقلة بالخطأ والانحياز والاشتباه إلا انها تحولت إلا مقدس معصوم في مقابل التشكيك في كل ما هو معنوي واعتباري وغيبي.
ان ما يجري اليوم لا يمكن وصفه بالبريء والمسالم والمعرفي، بل عمل مقصود ومنظم، تقوده جهات وقوى عملاقة، وتنفق له الاموال والامكانات، ويسخر له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكل ذلك من اجل ترك الانسانية في حيرة وتشكيك وفراغ معرفي وايماني، ولتكون مهيئة ومستعدة للبدائل التي يتم تقديمها تحت شعارات ناعمة، خدمة لمصالح واجندة الجهات التي تتبنى هذا التشكيك.
من المهم التذكير، ان هذه المقالة تؤمن بقوة بحاجتنا للتحقيق المخلص الذي يقوم به اهل القدرة والاهلية، كما انها لا تدافع ولا تقول بقدسية منتج ما، ولكنها في ذات الوقت تحذر وبجرس عالي الصوت مما يجري من حملات شيطانية مغرضة للطعن والتشكيك في كل شيء.