أمضيت ثلاث سنوات تدريسية في كلية الآداب في جامعة صنعاء – فرع تعز ، المدينة الساحرة بكل مافيها ، استطعت آنذاك أن أتعرف على ماضي اليمن وحاضره . وكان لافتا لي حب اليمنيين لبلادهم ونزوعهم القومي الراسخ في وجدانهم ، ولا سيما إيمانهم بالقضية الفلسطينية ، فكانوا يفصحون دوما عن استعدادهم للقتال على أرضها حين تحين الظروف .
وهاهي الظروف حانت ، فالحضور القوي ليمن العزو والكرامة على الساحة الدولية يتزايد ، ولاسيما لجهة اشتراكه في الملحمة الفلسطينية إلى جانب غزة ، وهو فعلا مدهش ومذهل و يدعو إلى الفخر .
وفي الوقت الذي يرفع فيه اليمن معنويات العرب ويزيدهم ثقة بالنفس ، فإنه يوجه صليات حامية لمعسكر الأعداء بكل شجاعة وبطولة ، غير عابئ حتى بالولايات المتحدة .
إنه اليمن الأصيل العريق الذي يغفو على :
— كمون نضالي هزم فيه كل جيوش الغزاة عبر تاريخه ، ومايزال لديه الاستعداد لإحلال الهزيمة بأعدائه وقد فعل .
— وعلى كمون ثقافي لوى فيه عنق بعض مفاهيم العالم العربي والدولي ونظرباته .
ومنها ان العين قد تقاوم مخرزها وتنتصر ، ومنها أيضا أن المبادئ والقيم والأخلاق لاقيمة لها إن لم تتوافر لها الصدقية والوفاء ، وان يقترن القول بالفعل كما عبرت عنه حكومة صنعاء في معركة المصير الملتهبة .
يردد اليمنيون البواسل شطرا شعريا منذ أكثر من ألف عام ، وفيه يرون ان عاصمتهم صنعاء لابد من العودة إليها مهما طال الغياب :
( لابد من صنعا وإن طال السفر )
هذه اللازمة ألهمت شاعر اليمن الكبير عبد العزيز المقالح رائعته الشهيرة :
يوما تغنى في منافينا القدر
لا بد من صنعا وإن طال السفر
إنا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت وزكا الثمر
وبكل مقهى قد شربنا دمعها
الله ، ما احلى الدموع وماأمر !
وعلى المواويل الحزينة كم بكت
أعماقنا وتمزقت فوق الوتر
صنعا وإن أغفت على أحزانها
حينا وطال بها التبلد والضجر
سيثور في وجه الظلام صباحها
حينا ، ويغسل خدها يوما مطر
— تحية إلى اليمن العربي العزيز الكريم الذي يقف اليوم بكل تراثه القتالي الشامخ إلى جانب غزة الباسلة .
أما هاماتنا التي لاتقبل الانحناء ، فيطيب لها أن تنحني أمام إصرارهم على هزيمة الاعداء في أشد اللحظات قتامة واكثرها ألما .