مو حزن، لكن حزين ..
مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق ..
من تمضي السنين.
نعم من تمضي السنين، وكأن العروس أصبحت خردة تباع بين الخرائط السياسية القذرة
الرقة عروس جميلة بريئة، تحتضن الفرات بين ذراعيها كما تحتضن ساكنيها
الرقة عروس في غاية الرقة والعذوبة، حيث أغرت الإسكندر وهارون الرشيد وهشام بن عبد الملك
الرقة عروس الدنيا، والدنيا أربع منازل، فبأي منزلة سوف تسكنين
أيّها الجلاد، أنا أشعّ بالثقافة والعلم والأدب منذ القدم، فمن أراد فتح الشرق كنتُ له مركزاً عسكرياً ممتازاً، ومنطقة تجارية كثيرة الخيرات، أزود القوافل بأنواعها بالمؤن
أنا (نيكفوريوم) أنا (قالينيقوس) أنا (توتول) أنا (مريبط) أنا (الرشيد)
أتُعدم أم الحضارات, ودرة الفرات …
أيها الأوغاد، لا تعرفوني من أنا…
أرضي أرض خير وعطاء وخصب فكري، نبت فيّ الأدباء واللغويون والقضاة والفلاسفة والأطباء
أنا من ساهم في التنوير وبناء الحضارة الإنسانية عبر الترجمة زمن الأساقفة والفلاسفة والعلماء
أنا من أحبها روّاد الجمال، وعشقها أمراء الشعر وشيوخ الأدب، وليس أمراء الحروب وقطع الرؤوس
أنا الخالع والعصاد .. وأبو زبيد الطائي .. وبن قيس الرقيات
أنا التليّ والبتاني وابن وهب
أنا العجيلي والحميدي والحمد
أنا الخليل والخطاب والجرادي
أنا من قال عنها ربيعة الرقّي عندما مر بقرقيسياء:
حبذا الرقة داراً وبلد … بلد ساكنه ممن تود
ما رأينا بلدة تعدلها … لا ولا أخبرنا عنها أحد
أنا الواعظ الرقيّ حين قال:
لك مني على البعاد نصيب … لم ينله على الدنو حبيب
وعلى الطرف من سواك حجاب … وعلى القلب من هواك رقيب
كيف يغني قرب الطبيب عليلاً …أنت أسقمته وأنت الطبيب
أنا من جال فوق جسري العتيق نزار قباني ومظفر النواب
والبحريني قاسم حداد واللبناني شوقي بزيع والمصري عزت الطيري
والعراقي عبد الرزاق عبد الواحد والسوري الراحل عمر الفرا
ولم ينقطع عن زيارتي أدونيس الذي كان يستمتع بالوقوف على شط الفرات
أنا من كان يغص قصري قصر الثقافة بالأدباء:
أحمد المديني وإبراهيم الكوني ومي خالد وعلي المقري والحبيب السائح وخليل صويلح واسكندر حبش وعبد المجيد زراقط وتركي الحمد وعبده خال والحبيب السالمي وهالة البدري وإبراهيم زراقط ورفعت عطفة وسعد الدين كليب ونور الدين الهاشمي وسوزان إبراهيم وسعاد جروس وإبراهيم المصري وبروين حبيب وقدموا أجمل نتاجاتهم الأدبية على مسرحي
أنا من قضت آغاثا كريستي أجمل أيام عمرها على أرضي، ووثّقت رحلتها بكتابها ( قل كيف تعيش )
وخصصت فصلاً كاملاً عني بعنوان ( الطريق إلى الرقة )
فأي طريق مشينا به عن الرقة ؟!! وأي طريق نعود به إلى الرقة ؟!!
وفي النهاية نادى المنادي على درة العلم والأدب والثقافة، درة الفرات بصوت عالٍ
محكمة: الجرم إرهاب
أما الحضور فقد أصبحوا أمواتاً تحت الأنقاض.
محمد الأحمد العبدون