:
في ليلة شتوية شديدة الظلمة والبرد ..وفي ركن منزو بغرفة المرحوم جدي ..أفترش نطع صوف ورثته من جدتي الحنون ..وعلى ضوء شمعة تنوس ويتحرك وميضها حتى من نفس فراشة الضوء (بوفرفطو) ، تمتد يد الى قارورة خمر لتسكب كأسا ، يتعانقا لحظة الدفق ، ويسيل دم الغزال مدرارا ..وحين تستقيم القارورة لتعود الى موضعها ؛ تنزل بعض القطرات على الرمل -المائدة ؛ الذي ينثني ليمتص تلكم القطيرات ..ويتجعد الرمل لذة ..وتنتقل عدوى الرشف والتجعد الى المتكيء ، ليقبل الكأس ..وتضغط شفتاه لتمتصا تلك الدماء الخاثرة خوفا عليها من السقوط واﻹنكسار ..وعيناه لا تفارقان تجعدات الرمل وآثار النبيذ؛ وينساق بين جمالية الصورة وإمكانية مص الرمل ، ويتذكر طعم الثرى حين الطفولة قرب بئر الجماعة في صعدة المحجوب . وحين رفع نظره لحظ تلك التفاحة الموضوعة على حافة البرنس فتندفع أصابعه لتقبض عليها، وتدفع بها مباشرة ناحية الفم الذي لا زال يقطر دما خمريا ..تتوقف اﻷصابع برهة ؛ يأمرها العقل بأن تنتظر الى حين لملمة الشفاه ومصمصة الطعم ، ثم بلع الريق والتنهيدة التي تأخذ المتكيء الى عوالم عاشها وعاقر فيها شهوات..وبعدها يسمح لها بالتقدم ..فتنسحب الشفاه الى أعلى وأسفل ويرتفع الفكين لقضم التفاحة ..مضغ وتمطق يمسح طعم الخمر في الفم ، كم هو لذيذ هذا التفاح اﻷسطوري ببعده اﻷنثوي والصحي .يتراقص ضوء الشمعة ، فيرفع عيناه ليرى القطة تقترب منها ؛ تأملها ..كم كانت جميلة تلك القطة ،وهي ترسم ظلها على جانب الخابية ، زاغت عيناه هناك ..تحركت أصابعه كأنهن سيمسكن بقلم لرسم ذلك القط -الخيال ..
وفجأة تحرك الذيل ليسقط سطلة الطماطم التي إرتكزت عليها الشمعة ..وأظلمت الغرفة ، وإنتفض المتكيء ..أحس بيده إرتطمت بشيء صلب ثم أحس بالبلل وهو يفتش عن القداحة ليضيء الشمعة ويعيد المشهد ..
أشعل القداحة ونقل نارها الى ما بقي من الشمعة ..عاد الضوء ..لكن المشهد ضاع فالقط هرب ، ربما فجع أو حرق !! وإنقلبت القنينة لينسكب دم الغزال المعتق على النطع المقدس ..مد يده ليتحسس ما ضاع ..حسد الصوف فيما شرب ..فكر لبرهة في عصره وإسترجاع خمره .لكنه إبتسم ، ثم لعن ..ثم قهقه ..ثم لعن القطط والنطع .. ثم هدأ ليفكر في ما حل به ..فتاهت عيناه في الثرى الخمري ..وتذكر شاعر الخمرة أبو نواس فردد بيته :
كسر الجرة عمدا …..وسقى اﻷرض شرابا
قلت واﻹسلام ديني ….. ليتني كنت ترابا.
وضع يده على الثرى ، وقرر إنهاء الجلسة ..ليعوضها غدا ، ويأخذ اﻹحتياطات الضرورية لعدم تكرار المأساة .
من كتابي ” حدثني العيفة .. قال : ” .. شكري محمد / دوز