سانخونياتن … المؤرخ العظيم الذي دافع عن علوم آبائه وأجداده وانكب على دراستها في جميع ما تحتويه فنقل لنا بأمانة علمية قصة الخلق في التراث العربي القديم .
فما هي الحقائق العلمية التي تحدثت عنها أساطير تراثنا العربي و أعاد اكتشافها العلم المعاصر ؟
سانخونياتن من جديد
إن عودة لما يقوله المؤرخ السوري سانخونياتن في استعراضه لنظرية التكوين العربية السورية القديمة : "…لما هذه الريح وقعت في حب مبادئها الخاصة, حيث حصل اجتماع قران, دعي هذا التقارب "الرغبة" . هكذا كان مبدأ خلق جميع الأشياء . ولم يكن لهذه الريح معرفة بما أنتجت … ومن هذه المساكنة للريح وجدت "مت" (الرحم, الأم) وتلك كانت البذرة الوحيدة للخلق وأساس جميع الأشياء"
إننا لكثرة ما تتطابق تلك النظريات الموغلة في القدم مع أخر ما توصل إليه علم الطبيعة المعاصر, والتماثل المدهش حتى في صيغ التعبير نكاد نعتقد جازمين بأن هذا "الغرب" الذي استولى على كل مصادر التراث العربي ثم احتكرها وأخفاها عن الأنظار, وأظهر منها ما أخضعه لعمليات التزوير والتشويه فقط, نكاد نعتقد أنهم يدرسون ذلك التراث الزاخر العظيم ويتوجهون بأبحاثهم بالاتجاهات التي تحددها مقولاته, ثم ما يلبثوا أن يعلنوا اكتشافاتهم المؤيدة بالعلم والتجربة, والتي تأتي في النهاية متطابقة مع مقولات تراثنا العربي القديم الذي لايبخلون عليه بكلمات الاتهام بالتصور الغيبي الخرافي الأسطوري البعيد عن الحقيقة والواقع والعلم..
فماذا يقول علم الطبيعة المعاصر بخصوص تلك الرغبة أو الميل إلى الاتحاد؟
لنقرأ معا" بعض الدراسات الحديثة لأحد العلماء الألمان :
" هل يستطيع أي منا ان يتصور أن الماء هو اتحاد بين الهدروجين والأوكسجين؟ كلاهما غاز شفاف ولكل منهما _ بسبب الخصائص المتميزة لتوزع إلكترونات الذرات التي يتألفان مها "الميل" بأن لا يبقيا منفردين, وإنما ليتحدا مع بعضهما البعض.. يحصل التفاعل بينهما (بشغف كبير) مطلقاً حرارة. إن الاستعداد الموجود على الأخص لدى الأوكسجين ليتحد بهذا الشكل مع الهدروجين كبير لدرجة أن التفاعل يحصل بمجرد مدّهما بمقدار ضئيل نسبياً من الطاقة. إن العملية بكاملها هي , ببساطة, احتراق أو تأكسد الهدروجين أما الناتج, أي الصفوة الناتجة عن هذا الاحتراق, فهو شيء جديد تماماً, ليس له في تصوراتنا أو إدراكاتنا الحسية أي تشابه او أي قاسم مشترك مع العناصر التي نتج عنها. إنه "الماء". و " يتعلق نوع الروابط الكيميائية الحاصلة وكميتها بمدى استعداد هذه النتف الجزيئية للتفاعل مع بعضها, أي بمدى (رغباتها) المتبادلة نحو الاتحاد" هويمارفون ديتفورت (تاريخ النشوء)ص 85 و 89.
لنلق نظرة على صورة الغلاف الجوي للأرض لذي أنتجته بعيد ولادتها: يقول هويمارفون ديتفورت: "سيلفت انتباهنا أن هذا الغلاف لم يكن يحتوي على الأوكسجين . إن بخارالماء, الهيدروجين بحالته الغازية, الآزوت, ثاني أوكسيد الكربون, الميتان, الأمونياك, هذه هي الغازات التي انطلقت من أعماق الأرض الملتهبة لتشكل أول غلاف هوائي لكوكبنا. إن الأوكسجين في ذلك الوقت لم يكن أساسياً بالنسبة لقدرة المتكونات العضوية الأولى على الحياة وحسب, بل كان, على الأرجح, السبب الذي جعل نشوءها ممكناً فعلاً لأن الأوكسجين هو أكثر العناصر الجوية فعالية في حجب الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. وقد كان هذا الجزء بالذات من الأشعة الشمسية ضرورياً في العصور الأرضية الأولى إذ انه كان المصدر الوحيد الذي يستطيع مد الروابط اللاعضوية الموجودة في الغلاف الجوي بالطاقة اللازمة لتلتحم مشكلة تلك الجزيئات الكبرى التي شكلت لاحقاً المادة الأولية للكائنات الحية أي العناصر العضوية الأولى للحياة. لكن في اللحظة التي تشكلت فيها هذه العناصر توجب حجب الأشعة فوق البنفسجية عنها وإلا أدت إلى تفكيكها ثانيةً فوراً
كانت الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس (قبل أن يتم تشكيل طبقة الأوزون) تصل دون عوائق تقريباً إلى سطح الأرض وبالتالي إلى سطح المحيطات الأولى . كانت طاقة هذه الأشعة قوية لدرجة أنها كانت تستطيع تفكيك جزيئات الماء نفسها إلى مكوناتها الأولية , فحصل على سطح محيطات وبحار الأرض الأولى ما يسمى التفكك بالضوء, أي تفكك الماء بتأثير الضوء إلى عنصريه الأوليين (الهيدروجين و الأكسجين) فيصعد الهيدروجين الخفيف ليضيع في الفضاء و يبقى الأكسجين ليشكل الغلاف الجوي . و الأكسجين كما هو معروف هو مصفاة شديدة الفعالية ضد نفاذ الأشعة فوق البنفسجية . لذلك و بتكاثفه في الجو شكّل طبقة الأوزون التي حالت دون نفاذ الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض , فأصبحت الشمس لا(تفكك) الماء بل تقوم بتبخيره فيصعد البخار إلى الجو ثم ما إن يبرد حتى يتكثف و يتقطر و يهطل مطرا ً
وكما جعلت الأساطير العربية القديمة الإله الخالق يقصف البراكين المدمرة بصواعقه ورعوده وبروقه, وصوّروه يقف مستلاً في يمينه البروق والصواعق في تلك المرحلة من النشوء, فإننا نجد أن العلم الحديث جاء ليكرّس الدور الأساسي للبروق والصواعق في عملية النشوء الأولى للخلية الحية في الماء, لنقرأ:
"كان علماء كبار ذوو شهرة في الكيمياء العضوية قد حاولوا تحضير المكونات البيولوجية الأساسية بشتى الطرق التي تفوق إحداها الأخرى في التعقيد والتشابك. أما الطالب ستانلي ميلر فقد سلك طريقاً مختلفاً تماماً. قام أولاً بتأمين المواد التي قيل أنها كانت موجودة في الغلاف الجوي الأول , أي انه اخذ الميتان والأمونياك فقط…خلطهما مع الماء, ثم وضع المحلول في إناء زجاجي مغلق. وقرر عند اختياره لمصدر الطاقة اللازمة لإحداث التفاعل أن يقلد الحالة الأصلية تماماً بقدر ما هو ممكن…ماهي مصادر الطاقة الطبيعية الموجودة على الأرض أنذاك؟ أول ما يخطر على البال هو الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس, وتفريغ الشحنات الكهربائية (البرق والصواعق) الذي كان شديداً جداً ومتواصلاً أنذاك. وقرر ميلر أن يستخدم تفريغ الشحنات . لذلك وصل وعاءه الزجاجي بخط للتوتر العالي, وأمن ما يلزم لتفريغ شحنات كهربائية قوية مسلطة على المحلول الذي يحتويه الوعاء . بعد ذلك ترك التجربة تعمل لحالها وذهب للنوم..لقد أدت النتيجة إلى أجرأ التوقعات: لقد أدت الطاقة المحضرة بإحداث برق اصطناعي إلى تشكل ثلاثة من أهم الحموض الأمينية دفعة واحدة خلال 24 ساعة فقط" هويمارفون ديتفورت المرجع السابق ص 86-87.
وهكذا نرى أن الأساطير العربية القديمة ليست خرافات وإنما هي أول كتب في التاريخ وضعها مؤلفون علماء ثقاة في عصرهم بأسلوب أدبي لتقريب المضامين من أذهان العامة وإن الباحثين والدارسين هم الذين يسيئون فهم تلك الأساطير منطلقين من قناعات تعصبية هزيلة وافتراضات ومنطلقات مغلوطة قائمة في أساسها على التقليل من شأن الوطن العربي القديم ودوره الريادي كأول معلم للإنسانية. فسانخونياتن ليس كاهناً كنعانياً قديماً (يحاول استجلاء الفكر الأسطوري الكنعاني مستنداً إلى معلومات مبعثرة في نص تفوح منه رائحة الفكر الفلسفي اليوناني!) بل هو مؤرخ عظيم دافع عن علوم آبائه وأجداده وانكب على دراستها في جميع ما تحتويه فنقل لنا بأمانة علمية قصة الخلق في التراث العربي القديم
فما هي الحقائق العلمية التي تحدثت عنها أساطير تراثنا العربي و أعاد اكتشافها العلم المعاصر ؟
سانخونياتن من جديد
إن عودة لما يقوله المؤرخ السوري سانخونياتن في استعراضه لنظرية التكوين العربية السورية القديمة : "…لما هذه الريح وقعت في حب مبادئها الخاصة, حيث حصل اجتماع قران, دعي هذا التقارب "الرغبة" . هكذا كان مبدأ خلق جميع الأشياء . ولم يكن لهذه الريح معرفة بما أنتجت … ومن هذه المساكنة للريح وجدت "مت" (الرحم, الأم) وتلك كانت البذرة الوحيدة للخلق وأساس جميع الأشياء"
إننا لكثرة ما تتطابق تلك النظريات الموغلة في القدم مع أخر ما توصل إليه علم الطبيعة المعاصر, والتماثل المدهش حتى في صيغ التعبير نكاد نعتقد جازمين بأن هذا "الغرب" الذي استولى على كل مصادر التراث العربي ثم احتكرها وأخفاها عن الأنظار, وأظهر منها ما أخضعه لعمليات التزوير والتشويه فقط, نكاد نعتقد أنهم يدرسون ذلك التراث الزاخر العظيم ويتوجهون بأبحاثهم بالاتجاهات التي تحددها مقولاته, ثم ما يلبثوا أن يعلنوا اكتشافاتهم المؤيدة بالعلم والتجربة, والتي تأتي في النهاية متطابقة مع مقولات تراثنا العربي القديم الذي لايبخلون عليه بكلمات الاتهام بالتصور الغيبي الخرافي الأسطوري البعيد عن الحقيقة والواقع والعلم..
فماذا يقول علم الطبيعة المعاصر بخصوص تلك الرغبة أو الميل إلى الاتحاد؟
لنقرأ معا" بعض الدراسات الحديثة لأحد العلماء الألمان :
" هل يستطيع أي منا ان يتصور أن الماء هو اتحاد بين الهدروجين والأوكسجين؟ كلاهما غاز شفاف ولكل منهما _ بسبب الخصائص المتميزة لتوزع إلكترونات الذرات التي يتألفان مها "الميل" بأن لا يبقيا منفردين, وإنما ليتحدا مع بعضهما البعض.. يحصل التفاعل بينهما (بشغف كبير) مطلقاً حرارة. إن الاستعداد الموجود على الأخص لدى الأوكسجين ليتحد بهذا الشكل مع الهدروجين كبير لدرجة أن التفاعل يحصل بمجرد مدّهما بمقدار ضئيل نسبياً من الطاقة. إن العملية بكاملها هي , ببساطة, احتراق أو تأكسد الهدروجين أما الناتج, أي الصفوة الناتجة عن هذا الاحتراق, فهو شيء جديد تماماً, ليس له في تصوراتنا أو إدراكاتنا الحسية أي تشابه او أي قاسم مشترك مع العناصر التي نتج عنها. إنه "الماء". و " يتعلق نوع الروابط الكيميائية الحاصلة وكميتها بمدى استعداد هذه النتف الجزيئية للتفاعل مع بعضها, أي بمدى (رغباتها) المتبادلة نحو الاتحاد" هويمارفون ديتفورت (تاريخ النشوء)ص 85 و 89.
لنلق نظرة على صورة الغلاف الجوي للأرض لذي أنتجته بعيد ولادتها: يقول هويمارفون ديتفورت: "سيلفت انتباهنا أن هذا الغلاف لم يكن يحتوي على الأوكسجين . إن بخارالماء, الهيدروجين بحالته الغازية, الآزوت, ثاني أوكسيد الكربون, الميتان, الأمونياك, هذه هي الغازات التي انطلقت من أعماق الأرض الملتهبة لتشكل أول غلاف هوائي لكوكبنا. إن الأوكسجين في ذلك الوقت لم يكن أساسياً بالنسبة لقدرة المتكونات العضوية الأولى على الحياة وحسب, بل كان, على الأرجح, السبب الذي جعل نشوءها ممكناً فعلاً لأن الأوكسجين هو أكثر العناصر الجوية فعالية في حجب الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. وقد كان هذا الجزء بالذات من الأشعة الشمسية ضرورياً في العصور الأرضية الأولى إذ انه كان المصدر الوحيد الذي يستطيع مد الروابط اللاعضوية الموجودة في الغلاف الجوي بالطاقة اللازمة لتلتحم مشكلة تلك الجزيئات الكبرى التي شكلت لاحقاً المادة الأولية للكائنات الحية أي العناصر العضوية الأولى للحياة. لكن في اللحظة التي تشكلت فيها هذه العناصر توجب حجب الأشعة فوق البنفسجية عنها وإلا أدت إلى تفكيكها ثانيةً فوراً
كانت الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس (قبل أن يتم تشكيل طبقة الأوزون) تصل دون عوائق تقريباً إلى سطح الأرض وبالتالي إلى سطح المحيطات الأولى . كانت طاقة هذه الأشعة قوية لدرجة أنها كانت تستطيع تفكيك جزيئات الماء نفسها إلى مكوناتها الأولية , فحصل على سطح محيطات وبحار الأرض الأولى ما يسمى التفكك بالضوء, أي تفكك الماء بتأثير الضوء إلى عنصريه الأوليين (الهيدروجين و الأكسجين) فيصعد الهيدروجين الخفيف ليضيع في الفضاء و يبقى الأكسجين ليشكل الغلاف الجوي . و الأكسجين كما هو معروف هو مصفاة شديدة الفعالية ضد نفاذ الأشعة فوق البنفسجية . لذلك و بتكاثفه في الجو شكّل طبقة الأوزون التي حالت دون نفاذ الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض , فأصبحت الشمس لا(تفكك) الماء بل تقوم بتبخيره فيصعد البخار إلى الجو ثم ما إن يبرد حتى يتكثف و يتقطر و يهطل مطرا ً
وكما جعلت الأساطير العربية القديمة الإله الخالق يقصف البراكين المدمرة بصواعقه ورعوده وبروقه, وصوّروه يقف مستلاً في يمينه البروق والصواعق في تلك المرحلة من النشوء, فإننا نجد أن العلم الحديث جاء ليكرّس الدور الأساسي للبروق والصواعق في عملية النشوء الأولى للخلية الحية في الماء, لنقرأ:
"كان علماء كبار ذوو شهرة في الكيمياء العضوية قد حاولوا تحضير المكونات البيولوجية الأساسية بشتى الطرق التي تفوق إحداها الأخرى في التعقيد والتشابك. أما الطالب ستانلي ميلر فقد سلك طريقاً مختلفاً تماماً. قام أولاً بتأمين المواد التي قيل أنها كانت موجودة في الغلاف الجوي الأول , أي انه اخذ الميتان والأمونياك فقط…خلطهما مع الماء, ثم وضع المحلول في إناء زجاجي مغلق. وقرر عند اختياره لمصدر الطاقة اللازمة لإحداث التفاعل أن يقلد الحالة الأصلية تماماً بقدر ما هو ممكن…ماهي مصادر الطاقة الطبيعية الموجودة على الأرض أنذاك؟ أول ما يخطر على البال هو الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس, وتفريغ الشحنات الكهربائية (البرق والصواعق) الذي كان شديداً جداً ومتواصلاً أنذاك. وقرر ميلر أن يستخدم تفريغ الشحنات . لذلك وصل وعاءه الزجاجي بخط للتوتر العالي, وأمن ما يلزم لتفريغ شحنات كهربائية قوية مسلطة على المحلول الذي يحتويه الوعاء . بعد ذلك ترك التجربة تعمل لحالها وذهب للنوم..لقد أدت النتيجة إلى أجرأ التوقعات: لقد أدت الطاقة المحضرة بإحداث برق اصطناعي إلى تشكل ثلاثة من أهم الحموض الأمينية دفعة واحدة خلال 24 ساعة فقط" هويمارفون ديتفورت المرجع السابق ص 86-87.
وهكذا نرى أن الأساطير العربية القديمة ليست خرافات وإنما هي أول كتب في التاريخ وضعها مؤلفون علماء ثقاة في عصرهم بأسلوب أدبي لتقريب المضامين من أذهان العامة وإن الباحثين والدارسين هم الذين يسيئون فهم تلك الأساطير منطلقين من قناعات تعصبية هزيلة وافتراضات ومنطلقات مغلوطة قائمة في أساسها على التقليل من شأن الوطن العربي القديم ودوره الريادي كأول معلم للإنسانية. فسانخونياتن ليس كاهناً كنعانياً قديماً (يحاول استجلاء الفكر الأسطوري الكنعاني مستنداً إلى معلومات مبعثرة في نص تفوح منه رائحة الفكر الفلسفي اليوناني!) بل هو مؤرخ عظيم دافع عن علوم آبائه وأجداده وانكب على دراستها في جميع ما تحتويه فنقل لنا بأمانة علمية قصة الخلق في التراث العربي القديم