(خاص – داماس بوست) نالت الإعلامية السورية أماني صديق درجة الماجستير في دراسة أجرتها حول قلق الموت عند المسنين وعلاقته بجودة الحياة.
وأجريت الدراسة لصالح المعهد العالي للبحوث والدراسات السكانية بدمشق، وحصلت على تقدير امتياز بدرجة 90، وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في البلاد، كما أنها الإعلامية الأولى التي تتخصص في مجال حماية الأسرة في سورية.
وفي تصريح لداماس بوست عبرت الإعلامية أماني صديق عن سعادتها بالحصول على مرتبة الامتياز، وشكرت كل من ساعدها في إنجاز الدراسة خلال العامين الماضيين وخصوصاً الدكتورة أمينة رزق التي أشرفت على الدراسة، وعميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية وجميع الأساتذة في المعهد.
وقالت صديق أن حصولها على مرتبة الامتياز، وكونها الأولى في سورية، يحملها مسؤولية إضافية، خصوصاً وأن دراسات حماية الأسرة شبه معدومة في سورية، وأضافت أن دراستها تشكل إضافة جديدة لعملها الأساسي في مجال الإعلام، من خلال تقديم البرامج الاجتماعية التي تهتم بالمجتمع والأسرة في عدد من الإذاعات السورية الخاصة.
وفي تصريح مماثل قال عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية الدكتور محمد أكرم القش لداماس بوست أن المعهد ناقش أول دراسة في تخصص حماية الأسرة، كونه اختصاص جديد قرر المعهد إحداثه لما له من أهمية في مجال حماية المجتمع وعلاقته المباشرة بالدراسات السكانية.
وأشاد القش بجهود الباحثة وعملها المميز الذي استحق مرتبة الامتياز عن جدارة، وتمنى لها التوفيق في حياتها العملية وأن يشكل تخصصها الجديد إضافة لها ولعملها الإعلامي، متمنياً التوفيق لجميع طلاب المعهد.
تفاصيل الدراسة
واعتمدت الرسالة على دراسات ميدانية ضمن دور الرعاية الأهلية والحكومية في دمشق، وتناولت انتشار قلق الموت عند المسنين وعلاقته بانخفاض مستوى جودة الحياة بالإضافة إلى وجود علاقة سلبية بين قلق الموت وجودة الحياة وارتفاع قلق الموت عند الإناث.
واستفادت الباحثة في رصدها للمشكلة من خلال عملها كمعدة ومقدمة برامج اجتماعية، وزيارتها لبعض دور رعاية المسنين وحوارها معهم بهدف بث حلقات إذاعية عن أوضاع وحاجات المسنين، وكان القلق من الموت من أكثر الظواهر حضوراً لديهم.
وأظهرت الدراسة ارتفاع قلق الموت لدى المسنين ممن تتراوح أعمارهم بين (60-84) عاماً وشملت عينة الدراسة حوالي (300) مسن ومسنة من مدينة دمشق، وأرجعت الدراسة ذلك إلى الوضع الراهن والأزمة التي تمر بها سورية، والتي أدت إلى انتشار قلق الموت لدى أفراد المجتمع بشكل عام، ولدى كبار السن بشكل خاص.
ولفتت الدراسة إلى أن درجة قلق الموت ترتفع عند المسنين عند سماعهم بوفاة أحد أقرانهم أو أفراد أسرهم، حيث يتولد لديهم شعور بأنهم غير قادرين على حمايتهم، أوحل مشاكلهم، وأن المسن عند شعوره بأنه غير قادر على المواجهة المباشرة لحل المشكلة يعزل نفسه عنها، أو يستخدم التجنب، ويعتمد الهروب لمواجهة الضغوط.
علاقة ارتباطية سالبة
وأشارت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية سالبة بين جودة الحياة وقلق الموت إذ يشعر المسن بالوحدة بعد أن يتركه أبناؤه، كما أنه يفتقر إلى حياة اجتماعية تملأ عليه مشاعره الاجتماعية، وهذه العزلة أو الوحدة تثير لديه نوعاً من القلق على أمنه وسلامته، بالإضافة إلى شعور المسن بأن عمره قد أوشك على النهاية، وأنه لا يملك أية قوة للتأثير في الحياة، وبأن أولاده أصبحوا هم المتحكمين في جميع جوانب حياته، يشعره بأنه لم يعد يستحق الحياة، وتسيطر عليه مشاعر الزهد في الحياة، ويكون شغله الشاغل هو القلق وترقب الموت في أي لحظة وفي أي مكان يضع قدمه فيه، ويصبح أمام حلقة مفرغة من القلق والاكتئاب، والعجز والاستسلام، وفقدان القدرة والفاعلية، والشعور بالنقص وعدم القيمة أو الأهمية، وانخفاض إدراكه لجودة حياته.
دور الرعاية.. قلق موت أكبر
ولدى مقارنتها بين المسنين المتواجدين مع أسرهم والمقيمين في دور الرعاية، توصلت الدراسة إلى أن المسن في دار الرعاية ترتفع نسبة قلق الموت لديه، نتيجة الوحدة والعزلة عن الحياة الاجتماعية، و الحرمان من الأصدقاء والأقرباء والجيران، إذ إن المسن خلال فترة وجوده في دار الرعاية عاجز عن تكوين صداقات جديدة، وغالباً ما تكون بمستوى سطحي غير عميق، ومع تحلل المسن تدريجياً من مسؤولياته الاجتماعية تقل مكانته وتضعف أدواره الاجتماعية بالدرجة نفسها، إضافة إلى أن المسن يرتفع هذا القلق لديه بسبب افتقاده للعمل المنظم في غالب الأحيان وتدني مسؤولياته الاجتماعية، وحاجته إلى تأكيد الذات والاجتماع بالآخرين، وشعوره بأنه أصبح قليل الفائدة وغير مرغوب فيه، وكأنه ينتظر الموت، ومن هنا أكدت الدراسة أهمية الأسرة في حياة المسن وأثرها في تخفيف القلق لديه، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي له.
فيما يرتفع القلق لدى المقيمين بين الأهل في بعد واحد وهو جانب موت الآخرين من الأقران والأقارب.
المسنات أكثر قلقاً
وأوضحت الدراسة أن قلق الموت عند الإناث أعلى، وأن النساء المتقدمات في العمر أكثر خوفاً من الوحدة والمعاناة والألم من الرجال، والقلق من الموت عندهن مبني على أساس « انفعالي» أما عند الرجال فهو «معرفي».
وتضع الدراسة تفسيرات لذلك بأن الإناث يشعرن بأمان أقل ومن ثم يكون قلقهن من الموت أعلى، وهذا القلق لا يتعلق فقط بموتهن شخصياً، بل يتعلق أيضاً بموت أزواجهن، والمقربين، فالإناث أكثر تعلقاً بالعلاقات الاجتماعية، وأكثر ارتباطاً بالآخرين، وهذه الأمور تجعل خوفهن من الموت عالياً، لأن موتهن أو موت الآخرين المهمين من حولهن معناه نهاية لهذه العلاقات الشخصية، كما أن الأدوار الاجتماعية التي يفرضها المجتمع تتطلب من الرجل أن يكون قوياً وشجاعاً، ومن المعيب أن يكشف عن جوانب الضعف في شخصيته، مثل قلق الموت والخوف، أما الأنثى فلديها حرية أكبر في إظهار عواطفها ومشاعرها، وقلقها من الموت، لذلك فإنهن يظهرن الضعف والخوف دون تردد، كما أن ثقافة المجتمع ونمط التنشئة الأسرية تعمل على تدعيم ثقافة الاستضعاف لدى الإناث.
رعاية مضاعفة
وأظهرت الدراسة أيضاً ارتفاع قلق الموت لدى المسنين من الفئة العمرية الثانية ممن تتراوح أعمارهم بين 75-84، وتبدو سمة القلق واضحة في شخصيته والسبب في ذلك يعود إلى حاجة المسن لرعاية مضاعفة بسبب تدهور صحته، حيث تكثر الأمراض وتضعف الآليات الدفاعية في جسمه، وقد يصاب بأنواع شتى من الأمراض، ومن ثم ترتفع حدة القلق لديه.
تطابق في النظرة لجودة الحياة
ولم تجد الدراسة فروقاً بين المسنين والمسنات في جودة الحياة، ماعدا موضوع الصحة الجسدية حيث وجدت فروق دالة إحصائياً، وكانت الفروق لصالح الذكور، وبينت أن تطلعات (الذكور والإناث) للرفاهية والسعادة والرضا عن الحياة لا تختلف، وارتفاع مستوى جودة الحياة لدى المسنين من الفئة العمرية الأولى ممن تتراوح أعمارهم بين 60-74، لأن صحتهم الجسدية والنفسية، وعلاقاتهم الاجتماعية، وقدرتهم على شغل الوقت – وهي المكونات الأساسية لجودة الحياة – تكون أكثر قابلية للاستقرار من المرحلة العمرية الأكبر.
اقتراحات الباحثة
واقترحت الدراسة إجراء أبحاث تفيد في التعرف إلى الأسباب التي تؤدي إلى تحول القلق من الموت إلى قلق مرضي، من أجل مساعدة الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب على تجاوز هذه الأسباب، وبقاء قلق الموت ضمن حدوده الطبيعية، وتوجيه الأفراد الذين يعانون من قلق الموت بصورة مرضية لاتباع العلاج لدى الاختصاصيين النفسيين.والتأكيد على أهمية تواصل الأهل مع ذويهم من المسنين المقيمين في دور الرعاية، وأهمية العلاقات الأسرية الدافئة في تخفيف القلق لدى المسنين، بالإضافة إلى إدخال الأساليب العملية حول كيفية التعامل مع المسن، وذلك في مناهج الإرشاد النفسي في كليات التربية، ووضع برامج إرشادية لذلك، سواء داخل الأسرة أو في دور الرعاية، وتفعيل عمل المرشدين النفسيين المؤهلين والمتخصصين في الإرشاد النفسي للمسنين في دور الرعاية، وإعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية لمناقشة جودة حياة المسنين.