وجه مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون رسالة "المساجد واستهداف المسجد الأقصى والمسجد الأموي " ونشرت في صحيفة البناء اللبنانية…
وجاء في الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم حمداً لك ربي كثيراً وصلاة وسلام على من أرسلت هادياً وبشيراً داعياً إلى الله وسراجاً منيراً.
في هذه اللحظات التي يقف العالم الإنساني في حالة ذهول متسائلاً ما الذي يحدث على الكرة الأرضية، وأصر على قول العالم الإنساني لأن رسالتنا التي نحملها لكل الإنسانية وليست لأمة واحدة أو جماعة عرقية وعصبية، فحين نبدأ صلاتنا بـ»الحمد لله رب العالمين» نعترف بكل العالم. فإن قلنا رب المسلمين بطلت صلاتنا، وحين نتوجه برسالتنا التي حملها رسولنا «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» ونحمل قرآننا للعالمين وحين نحنو أمام مساجدنا نفاخر من خلال القرآن الكريم أن لمساجدنا رسالة عالمية وليست إسلامية فقط فحين يقول الله تعالى في سورة الجن 18، «وأن المساجد لله فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا» وهنا يكمن السر في الهجمة العالمية على مساجدنا الإسلامية وعلى درتها المسجد الأقصى».
يتبادر إلى الأذهان سؤال لماذا بعد الهجمة على سورية كثفت لقاءات العلماء مؤتمر بعد مؤتمر، ولقاء بعد لقاء وترخيص لجامعات بعد ترخيص، حتى أنه لم يحدث في التاريخ أن التقى في رحاب المسجد الأموي الداعيات والدعاة، ما سر الزخم الذي تقوم به المؤسسة الدينية في سورية، والجواب لأنها وقعت بين فكي كماشة الأولى تتهم المؤسسة الدينية بالتقصير في ما مضى وبأنها الحاضنة للتطرف، وفي الطرف الآخر يقول البعض إن المؤسسة تنبت الكفرة، فحين أسمع ذاك الشيشاني في ريف حلب يقول: «جئنا لنطهر سورية من الكفرة»، أدرك السر في زخم اللقاءات. فالاستهداف ليس لعمائمنا وشخصياتنا فقط بل لأمتنا في جذورها ومستقبلها في أبنائها، فحين نحمل رسالة المساجد وما ورد في القرآن عنها والآية الأولى «وأن المساجد لله فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»، فهي تعني أن لا تجعلوا مساجدكم حاضنة لمذاهب وجماعات وأحزاب واتجاهات، فإن المساجد لله وحينما تكون المساجد لله يجلس فيها الأمير مع المواطن العادي، والغني مع الفقير والنبي مع الصحابي معاً على قدم المساواة، فإذا انصهرتم في المساجد عبيداً كنتم أحراراً في الأرض فتمتلكون حريتكم، وعندما تدخلون المسجد عبيداً لله رب العالمين.
نبه الله حبيبه المصطفى من اللحظة الأولى لبناء المساجد ممن يعمرون المساجد في سورة التوبة حين حدد من يعمر مساجد الله من آمن بالله والملائكة واليوم الآخر، وأقام الصلاة وآتى المال على اليتامى والمساكين وذوي القربة… هؤلاء الذين يحملون هذه الرسالة، هم الذين يبنون المساجد، ويشترط فيهم أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، والزينة ليست الثوب إنما حين ندرك معنى الزينة في سورة التوبة «لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يحبون أن يتطهروا»، إذاً زينة القلب طهارته الحب وزينة اللسان طهارته كلمة الحق وزينة العقل طهارته النقد الصادق وطهارة الجسد اللقمة الحلال، ففي المسجد رجال يحبون أن يتطهروا ويأخذوا زينتهم عند كل مسجد، فيما ينهى النبي عن القيام في مسجد ضراراً وفق ما يقول الله في سورة التوبة «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ». حيث يخرج عندها المسجد عن رسالته لذلك تكثف المؤسسة الدينية اللقاءات، لتبيان رسالة المسجد كي لا يتخذ المسجد للإرصاد والتفريق كما اتخذه المنافقون، وهذا ما نشهده في العالم الإسلامي اليوم حيث تتخذ المنابر والمساجد أسماء أصحابها لم تبن لله بل لمحمد عبد الوهاب، ليشتم على منبره الأئمة والعلماء وتباح الدماء يذكرنا ذلك بقول الله تعالى «لا تقم به أبدا» ومن هنا علينا أن نعيد للمسجد حريته وكرامته حتى يعطينا عزة رسالته.
ما يدور في سورية وفلسطين والعراق يطرح أسئلة لماذا يستهدف المسجد الأقصى والمسجد الأموي، ولماذا تستهدف القدس والشام، ولما ما إن دخل داعش العراق حتى أعلن مجلس الأمن الحرب عليها وفق الفصل السابع، وأما في سورية فمسموح لها أن تهدم وتقتل في المساجد وعلمائها، وتهدم المدرسة الخسرفية أقدم مدرسة في حلب والتي خرجت كبار العلماء، كيف يسمح المجتمع الدولي لداعش بالقتل في سورية أما في العراق فالطيران يقصفها لتحرير سد الموصل، أما سد الفرات فقد وعدت به «إسرائيل» هذا ما وعدوه بهم يا أبناء الدولة الإسلامية في العراق والشام وأنتم تهيئون لهم الطريق بتدميركم لسورية.
من المؤسف أن تجتمع جامعة الدول العربية عشرات الاجتماعات لطرد سورية من الجامعة والمؤتمر الإسلامي، وتسحب السفراء وتمنع التعامل وتسحب الحصانة وتسعى لفرض الوصاية وغيرها من الإجراءات، أما فلسطين فاجتماع واحد يكفي وغزة كذلك، وهو ما يفرض على الدعاة والداعيات أن يدرسوا الأزمة فقهاً، ليدركوا أن الهجوم على الشام لأنها المكلفة بحماية القدس، أما استهداف المسجد الأقصى فلأنه رمز كل الديانات السماوية، وجمع كلمة كل أنبياء الله بينما اليهود لا يعترفون بالإسلام والمسيحية، ويصرون على أن القدس لإسرائيل، ولآن ديننا دين محبة فحين ننشر المحبة تبنى المساجد وحين تفقد المحبة تدمر المساجد ونفقد الأقصى.
وكما الأقصى رمز الديانات فالمسجد الأموي الوحيد في العالم الذي تقرأ فيه كل تاريخ الإنسانية، فقبل المسيحية كان بيتاً دينياً ومع دخول المسيحية تحول إلى كنيسة، ولما جاء الإسلام لم ينظر المسيحي لهذا المسلم أنه يعبد غير الله فقسم له نصف الكنيسة ليصلي فيها فكان المسيحيون والمسلمون يصلون مع بعضهم، وما زال المسجد يضم مقام الخضر عليه السلام، ومقام سيدنا يحيى وليس ببعيد عنه نجد مقام رأس الحسين ليبقى ذكرى للمسلمين والعرب يذكرهم ويقول: «هذا اختلافكم يوصلكم إلى هذا»، وإذا خرجنا من المسجد الأموي نرى صلاح الدين لا يزال حاملاً سيفه يحرضنا على الدفاع عن مقدساتنا وأوطاننا بوجه ما نتعرض له، ويقول أنا معكم، وأبى إلا أن يضم صاحب السيف كلمة الحق الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي لم يخضع على رغم ما تعرض من ترغيب وترهيب وعد به إن غادر سورية لكنه أبى إلا أن ينشر الحب والكلمة الطيبة والتي هي رسالة المساجد لكل هذا يستهدف الأقصى والمسجد الأموي.
الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون – صحيفة البناء