لا يخفى على من يتابع أفكار دي ميستورا التي قُدّمت إلى مجلس الأمن بعد زيارتين قام بهما الى روسيا وإيران، سبقتهما زيارة الى دمشق، حجم التسويق الغربي لمصطلحات جديدة من بينها "تجميد القتال" في حلب للسماح بنقل مساعدات إنسانية والتمهيد لمفاوضات سلام! …هذه المصطلحات وهذا التسويق يشي بأن الغرب الذي يقود الحرب على سورية …يسعى…بل يتمنى أن يبقى الصراع كما هو عليه في المستقبل القريب والمتوسط.
من أجل تحليل هذه الأفكار، والدوافع الكامنة وراءها بشكل موضوعي، لابد من طرح عدة تساؤلات لفهم المغزى والأهداف الحقيقية التي حيكت من أجلها هذه الأفكار لكي تتجلى الحقيقة بعيداً عن الأقنعة التي تشوش الرؤية.
فهل اقتنع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص بأن ما يحققه الجيش والدولة السورية على الأرض يقود إلى انتصار سورية في المدى المنظور؟ وبالتالي لا بد من فتح نافذة الحلول السلمية من أجل المساومة أو محاولة الحد من آثار هكذا انتصار؟
أم هي مرحلة لإعادة ومراجعة الخطط بغية كسب الوقت في إعادة تنظيم المعارضات الإرهابية المسلحة على أمل أن تُحدث تغييراً على الأرض يطيل أمد الأزمة إلى ما بعد عام 2016؟
أو أن الأطراف الدولية استشعرت الخوف من ارتداد الإرهاب عليها من خلال داعش والنصرة لتشكل خطرا كارثيّاً عليها؟
للإجابة عن هذه التساؤلات لابد من فهم الرؤية الاستراتيجية الأمريكية المتبعة من خلال الحقائق التالية:
1.إن الأهمية الجيوسياسية لسورية دفعت صناع القرار في الدوائر الغربية إلى رسم الخطط من اجل إسقاط سورية الممانعة التي تتصدى بقوة للنهج الغربي، فمن الخطط التي رسمت في القرن الماضي عبر تشكيل ما يسمى لجنة سورية الحرة في عام 1957 إلى دعم العصابات الإرهابية (تنظيم الاخوان المسلمون) التي ارتكبت اعتداءاتها الإرهابية في نهاية السبعينات والقائمة في هذا السياق تطول.. وصولا إلى الحرب الكونية التي تقودها الولايات المتحدة ضد سورية، وهذه الاستراتيجية واضحة و لا يعوزها مزيد من الإثبات أو التحليل.
2.الولايات المتحدة الامريكية تقود حربها على سورية لأهداف متعددة منها ما يتعلق بتغيير مسار خطوط نقل الطاقة التي سوف تمرّ في سورية سواء من العراق أو إيران وصولا إلى البحر المتوسط، لجعلها تمر عبر تركيا وقطر والدول الخليجية، فضلاً عن الأهداف الاستراتيجية بإسقاط الدولة السورية لفتح الطريق للوصول إلى أوراسيا من خلال إتمام السيطرة على العراق ومحاصرة إيران، ولا يخفى أيضا، سعي أجنحة المسيحية الصهيونية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط القديم "أي شرق أوسط مبني على أسس طائفية"، والذي يتقاطع مع مشروع أوباما من جهة استمرار الحرب "الشرق الأوسط الكبير" أي إضعاف الدول الوطنية مع الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية من خلال استخدام القوة الناعمة والذكية لإقامة دول ضعيفة تحتاج إلى وصاية غربية، كما أن البعد الإقليمي والدولي يجعل الاستهداف أكثر همجية من خلال السعي لإضعاف المحور المقاوم وبالتالي محاصرة الروس ومحاولة منع تشكل عالم متعدد الأقطاب. أما تسويق الخوف من امتداد الإرهاب ليصل الى الدول الغربية فما هو إلا حملة إعلامية لتبرير التدخل المباشر واستثمار لهذه المجاميع الإرهابية التي أوجدها الغرب ورعاها.
الواقع على الأرض والتقدم الاستراتيجي لصالح الجيش السوري واعتراف دوائر القرار الأمريكي بأرجحية انتصار الدولة السورية، هو الدافع وراء خطة دي ميستورا لمنع تحرير حلب بالضربة القاصمة وترسيخ انتصار الدولة السورية، فالأطراف لم تتعب من القتال وإنما هو خوف الأصيل من تداعيات إعادة حلب وهزيمة العصابات الإرهابية. الخطة تأتي كنسخة مماثلة لخطط الموفدين السابقين عنان والإبراهيمي، وتلقى هذه الأفكار أو المبادرات الدعم من قبل الوكلاء وخاصة من تركيا التي تعتبر تحرير حلب هو نهاية المشروع التركي وارتداد الفوضى عليها.
المرحلة الحالية هي مرحلة حساسة ومهمة وزمن المبادرات المغلّفة بالنفاق قد تغير أو بدأ ينفد، لكون الواقع على الأرض يتغير على المستوى الجيواستراتيجي وبشكل متسارع لصالح الجيش والدولة السورية، وهذا ما دعا الدوائر الغربية إلى تقييم الاحتمالات والسيناريوهات حول سورية، حسب التقرير السنوي من مؤسسة راند "مستقبل سورية البديل" حيث تظهر التقييمات فيه ضرورة فتح نافذة تواصل مع سورية، لأهداف متعددة منها الحد من الانتصار السوري لكون هذا الانتصار هو الأرجح، والعمل على إضعاف حدوث هذا الاحتمال وتكريس التقسيم بالأمر الواقع من خلال العمل على استمرار الصراع الى ما بعد عام 2016، وذلك يفسر تصريح أوباما بان الحرب على داعش تحتاج إلى ثلاث سنوات، فالسبب الحقيقي هو ضغط الأجنحة المتصارعة في الولايات المتحدة بهذه الاتجاه من أجل مراجعة الخطط وكسب الوقت ريثما يتم تهيئة مجموعات إرهابية تعيد إنتاج الحرب من جديد بدعم من المسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد الذين يراهنون على الوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات الامريكية القادمة .
يبدو واضحا مما سبق أن أفكار دي ميستورا والخطط والأفكار المتوقع أن تظهر في المستقبل القريب تهدف إلى احتواء تداعيات الانتصار السوري الأكثر ترجيحا على المدى المتوسط "Rand Cooperation"، وعلى إمكانية تغير هذا الواقع أو تمديد الصراع إلى أمد غير منظور، من خلال تصعيد الحرب الإرهابية على أكثر من جبهة مع الاستمرار باستخدام الأفكار والمبادرات المغلّفة بمتلازمة النفاق في أي طرح، كمحاولة أخيرة لتغيير هذا الواقع من الآن وخلال الأشهر القادمة.
القيادة السورية تقود المرحلة بذكاء وثبات وتسد الذرائع الغربية التي تهدف إلى إسقاط الدولة، ويثبت الجيش السوري بأنه القوة الضاربة التي تسطر ملحمة الدفاع عن الوطن بخطوط من ذهب وتسقط مفاعيل الجيل الرابع من الحرب الكونية على وجودنا.
الواقع على الارض …. ودراساتهم تشير إلى أن الوهم في إخضاع سورية وإسقاطها أصبح من الماضي ..اللعبة بدأت ترسم خواتيمها منذ الآن …وسورية أقوى رغم الجراح .
المهندس عبدالله احمد – موقع توقيت دمشق-الإعلام تايم- القلم