“…كان ما كان، وشـاء الهوى”
وكان أني اُســبّح باســمكَ الجهات،
أفتتحُ النهارات البهيّة،
وأُعمّر للفرحِ مدناً، وعيناكَ تحضُنني بلفتةٍ عابرة، قبل أن يحجِبَك مفترق الطريق حيث تمضي مسـرعاً إلى وجهتك…
وكان أنكَ رجلٌ من حنان،
يأســُرني حضوره،
تُربكني تعابيره،
ويأخُذني كما النعاس، ويســـري بي إلى عوالم لا تطيق روحي فراقها…
وكان أنكَ وأني طيبون، طيبون بنكهة الغفلة،
نُصافحُ الأيام بأيدٍ مفتوحةٍ، عارية،
ويشـربُ أحدنا الآخر حتى أبعد نقطةٍ في ســـراباته،
وبســـلام ميتٍ نغفو بحضن الدهر، كما لو أننا من بعض خلانه!!
إلى أن أفقنا،
وكان ما كان………..
كل شـظيةٍ فيَّ اليوم تحمل أحد مكاتيبكَ، تُعيد ما كنت تقوله،
تُغنيكَ بصمت أمٍ تشـيع كل أمسٍ قتيلاً من أبنائها،
ترافقُ الجثمان وهي تنظر إلى المســجى فيه غير متيقنةٍ أن كل تلك الحياة التي كانت تضج فيه باتت الآن موتاً محتماً،
تودعه في أرضٍ عاشـت فيها شـهد أيامها، وتمضي الآن بإحســاس طافح بالحســرة…
تمنيتُ لو اســتطعتُ أن أبدأ رســالتي إليكَ بـــ”حبيبي”،
لكني من الهشاشة بحيث لا أقوى على ذلكَ، بات ما أنت عليه بروحي من منزلة جناية لا يمكنني التصريح بها، وعليكَ أن تعذرني…
لكَ اليوم عالمكَ البعيد الذي لا أعرف عنه ســوى القليل القليل،
ولي ما أحيا به،
بشغفٍ أتنســم شحيح أخباركَ التي تصلني بالصدفة في حديث عابر لأحدهم، علمتُ أنكَ قد أنهيتَ سـنتكَ الجامعية الأخيرة، إني ســعيدةٌ لاجلكَ وقد مضيتَ إلى ما كنت تعشـق،
ولا أدري إن كان ما درسـته قد شـابه جميل الأحلام التي كانت تســــكنك،
ما يهمني الآن أنكَ بخير، وتخطو متعافياً ــ كما آمل ــ إلى أيامٍ بِتَّ تعرف دروبها، والكثير من خباياها،
تمنيتُ لو قُدّر لي أن أمشي بجوارك ممســــكة بذراعك وأنتَ تعيش تلك اللحظات الحاســـمة في حياتك،
لكنني تنبهتُ ســريعاً ولجمتُ أمانيَّ، فتلك المســاحات لم تعد مســرحاً لخيولي،
وورد اللحظات الجميلة يتحول رماحاً بعد حين، وأنا لا مكان فيَّ لنصلة ســهم آخر…
أســرفتُ في ســردي،
وربما فتحت من جديد صندوقك الأســود العزيز الذي تحرص عليه كما أنا،
لكنك “حبيبي”،
رغم ما كان، وما شـاء الهوى.
_ _ _ _ _
من حيث أنا الآن
في 3 تشرين الأول 1996.
ــــــــ أيمن ســـــليمان.