وكما لا يترك الضوء خياراً للفراشـة إلا أن تحوم حوله وصولاً إلى قدرها المحتوم،
تأخذني جهاتي إليكِ،
أصافحكِ في كل الوجوه،
أتنشـقكِ كشـهقة حياةٍ في زمانٍ لم يكن فيه من الطعم، والعطر، واللون إلا أنتِ…
مطركِ أغرقني بعد ســنينً من القحط،
أتاني مخضباً باللهفة، والوجع، والشـجن،
ففتح شـرفات روحي الموصدة بمالح العين والقلب،
وبعثرني ككمـشة رماد في ليلة كانونية عاصفة
للحظات تمنيتُ لو أسـتطيع أن أكون على ضفة الحياد وأنا اقرؤكِ…
وكأن كائنات الأرض جميعها تقاسـمني ذرات أوكسـجيني، وأنا من يلزمني أوكسـجين الكون لأكمل شـهقتي وأنا أعبر بين سـطر وآخر في رسـالتك ِ..
يا ســـاميةَ الحزن
جرعةٌ من النســيان
قد لا تكسـر شـوك الذاكرة الواقف،
ولا تُغلق فمَ طعنةٍ طرية،
ولا تُربّي يتيم جرحٍ نازف.
وكما أن “كل شـظيةٍ فيكِ تحمل أحد مكاتيبي“،
يتقنُ مشـرطكِ “الحنون” فتح شـراييني وأوردتي،
يفصل البطين عن الشـغاف،
ويزرع شـقوق الجثة بالحبق.
أيتها الحاضرة:
بعثرتني رسـالتكِ الأخيرة في وقتٍ أكاد أن أكون فيه الأحوج للسـلام،
السـلام الذي فارقني يوم “كان ما كان، وشـاء الهوى“،
لكِ الحياة كل الحياة،
ولي فيكِ جمر الذاكرة، وما أحيا به،
ويكفيني أنكِ منتصبةٌ كغابة من السـنديان بدمي،
وأني فاتحةُ نهاراتكِ،
وأول نيســـانكِ،
وســـنابلي في منأى عن مناجل النســــيان..
وأن كل هذا الحريق يزهرُ حباً كل أمسٍ،
وكل صبحٍ، وفي كل غروب…
ويجلب الغيم،
والزهر،
والمطر.
دمـشق في 26 تشـرين أول 1996
__ أيمن ســــليمان.