كـــان الفــكر الديــني الســــلاح الأهــم في هــذه الحــرب الوحــشية……….
………..خسـارة الحــرب تعــني هزيــمة سلاحــها الديني الظـلامي إلى الأبد……….
………..وظــف الاستعــمار الغــربي الديــن ضــد شعـوبنا منذ حملته الأولى……….
المحامي محمد محسن
أدرك الغرب منذ مراحل حملاته الاستعمارية الأولى ، أي منذ أن خيم الاستعمار البريطاني على المنطقة ، ثم تبعه الفرنسي ، وحل أخيراً الأمريكي ، أدركوا جميعاً أن الدين الاسلامي يجب أن يكون لعبتهم وأداتهم في السيطرة على العالم الاسلامي ، مقتدين بتجارب الخلفاء والأمراء عبر التاريخ ، فمنذ الخليفة معاوية مروراً بجميع الخلفاء الأمويين والعباسيين ، وصولاً إلى السلطنة العثمانية وإلى يومنا هذا ، جميع الخلفاء والسلاطين كانوا يعتبرون فقهاء الدين وشيوخه ركيزتهم الأساسية في ادارة البلاد والعباد وتدويخ المسلم البسيط ، وذلك من خلال الفتاوى ، والشروحات على المتون ، وحتى اختلاق الأحاديث الكاذبة أو تفسيرها ، بما يخدم الخليفة أو الأمير أو الوالي ومن ثم السلطان ، ولتبرير سلوكه وممارساته .
.
حتى القرآن لم يسلم من قسرهم لتفاسيره ، بما يتلاقى وموقف الخليفة ، فرجل الدين في كل الأمصار ، مكلف بالدعاء للخليفة أو الأمير في كل صلاة ، وفي كل موقف ، وصولاً إلى شرعنة قتل الخليفة لخصومه أو تأديبهم ، من خلال أقوال منافية للعقل وحتى للدين مثل : ( الخير والشر من الله ) ، (الانسان مسير وليس بمخير ) حتى أن بعض فقهاء المذاهب الكبرى ذهبوا أبعد من ذلك بكثير حيث أفتوا [ بعدم مخالفة الأمير ولو كان فاسقاً ( كالخليفة المتوكل الذي زندقه شيوخ عصره ، ثم غفروا له بعد أن قتل المعتزلة ، و أصبح رضي الله عنه وأرضاه ، ) ، وكان الخلفاء قد اغتالوا العقل منذ أن قطع لسان ( غيلان الدمشقي ) ] .
.
من خلال ذلك التراث الاسلامي العتيد ، وجد الاستعماريون البريطانيون ضالتهم في فرض سيطرتهم ووصايتهم على المنطقة كلها ، فانتهجوا طريق الخلفاء وأساليبهم في الحكم ، حيث اعتمدوا على رجال الدين في تبريد الواقع الاجتماعي من خلال تحسين صورة المحتلين ، ( مع بعض الاستثناءات ) ، من هنا علينا أن نفهم أسباب رعاية وحماية الغرب الاستعماري للحركات الاسلامية ، واعتماده عليها في جميع حروبه ومؤامراته ، حتى وصل الأمر بالاستعمار البريطاني عند استعماره للجزيرة العربية ، إلى المبادرة لصناعة وتعويم المذهب الوهابي التحريفي على حافة الكعبة .
.
بعد أن زاوجوه مع آل سعود . الذين سلموهم مفاتيح الكعبة ، بعد أن طردوا الأشراف من مكة والمدينة ، ليشرفوا على الحجيج ، وليتمكنوا من تصنيع الدعاة المأجورين لنشر الوهابية ، خدمة للمستعمرين ، المذهب الذي يكفر جميع المذاهب الأخرى ، وفق رأي مؤسس المذهب محمد بن عبد الوهاب القائل : [ من دخل في دعوتنا له ما لنا وعليه ما علينا ، ومن لم يدخل كافر مباح الدم ] ، ثم أوجد البريطانيون ذاتهم بعد احتلالهم لمصر ، [ الحركة العالمية للإخوان المسلمين ] التي تدعو للوحدة الاسلامية ، كحركة موازية ومتعارضة مع الدعوة للوحدة العربية .
.
[ من هنا علينا أن نفهم أيضاً لماذا صوت بعض المسلمين العرب السوريين لصالح تركيا في الاستفتاء الصوري الذي جرى في لواء الاسكندرون ؟ ، ولماذا يناصر ( حزب الاخوان المسلمين القاتل ) تركيا على أي دولة عربية ؟ ، لأنهم يعتبرونها أرض السلطنة المغدورة التي يعملون الآن لإعادتها ؟ ، ومن هنا يجب أن ندرك أيضاً وايضاً أسباب وقوف جميع الحركات الاسلامية السياسية مع الاستعمار الغربي ضد شعوبها ] .
.
حتى وبعد الاستقلال الشكلي لبعض الدول الاسلامية ، وخروج الاستعمار من الجزيرة العربية على وجه الخصوص وغيرها ، عمدت الدول الأوروبية الاستعمارية على تسليم الحركات الاسلامية ( بنسختها الأقرب للإخوان أو للوهابية ) ، السلطة في تلك البلدان ، كما استقبلت ورعت قيادات الحركات الاسلامية المطرودة من بلدانها في عواصمها ، لتستخدمها في التآمر على الدول غير الخاضعة لوصايتها والعمل على إعاقة تقدمها .
.
وكان الاستخدام الأحدث والأفعل للفكر الديني في تدمير المنطقة ، اشراف أمريكي مباشر على تصنيع ( حركة ارهابية في افغانستان ، بشقيها الوهابي ـــ الطالباني ) لقتال السوفييت ، بمال سعودي وفقه اسلامي وهابي طالباني ظلامي أسود ، فحولت افغانستان السائرة نحو الدولة المدنية ذات الملامح الاشتراكية ، إلى دولة ممزقة ومتصارعة وفاشلة ، قسم منها تحت الوصاية الأمريكية المباشرة ، والقسم الآخر تحت وصاية طالبان الارهابية ، وقد تصبح ملاذاً لداعش وأخواتها .
.
ولكن هذه المرة ولأهمية سورية الجغرافية والسياسية ، باعتبارها مفتاح الشرق وبوابته ، ومن يسيطر عليها يتحكم بالبحر الأبيض المتوسط ، ويغلقه أمام الحلم الروسي في عودته إلى القطبية ، مما دفع بأمريكا إلى حشد واستنفار جميع حلفائها الأوروبيين وغيرهم ، بالتعاون مع الدول الاسلامية وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا ، وأن تستفيد من عملية تصنيعها للإرهاب في افغانستان ، بعد تلافي بعض السقطات هناك ، فعملوا جميعاً على التفتيش في جميع الزوايا المظلمة من التجمعات الاسلامية وعشوائياتها في كل دول العالم ، لتجميع قطعان من الأغبياء ، تمكن رجال الدين من بيعهم حصصاً في الجنة مع حوريات حسان ، مقابل أن يُقتلوا ويَقتلوا البشر ويدمروا الحجر ويحرقوا الشجر .
.
لقد تمكنت أمريكا من خلال حربها بواسطة هذه القطعان المتوحشة ، والتي قال حليف أمريكا الرئيس التركي أردوغان بالفم الملآن ، أن أمريكا قدمت للحركات الارهابية التي تزعم أنها جاءت لقتالها ، وعن طريق حليفها التركي بالذات فقط / 19 / ألف صفقة مساعدات عسكرية وغيرها ، لكن علينا أن نعترف أن أمريكا قد تمكنت من تحقيق مطلبين من المطالب الأمريكية الأربعة ، التي جاءت مع حلفائها وتابعيها لتحقيقها من حربها على سورية .
.
المطلب الأول الذي تحقق : تدمير البنى التحتية في سورية ، وتهديم المدن والقرى ، وقتل وتشريد عشرات الملايين من السوريين .
.
أما المطلب الثاني : فهو سوق الارهاب الاسلامي من مغاور تورا بورا المظلمة في افغانستان ، إلى كل جبل وسهل ومدينة وقرية في سورية حتى البادية السورية لم تسلم منهم ، ليقوموا بذبح السوريين وقتلهم وتشريدهم ، لتتأكد هوية الاسلام الارهابية ، ومن ثم ادانته عالمياً كدين ارهابي قاتل ، يعطي الحق لأوروبا بتصفية تجمعاته أينما وجدت ، وبخاصة بعد فشله في تحقيق الغايتين الأخريين .
.
أما الغايتين اللتين لم تتمكن أمريكا من تحقيقهما :
…………………كـــــــــسر الارادة الســـــــــورية .
…………………حصـــــــــــار روســـيا الاتحادية .
.
ولكن وقبل أن نغادر هذا المقصد يجب أن نحمل أمريكا وأوروبا ، مسؤولية خلق هذا الطاعون ، ورعايته ، وتنشئته ، ومن ثم استخدامه في حروبهم القذرة ، والذًي بات يشكل خطراً عالمياً ، لا يهدد المنطقة بل يهدد العالم باسره ، فهل يمكن لنا أن نضع هذا التصرف الغربي الأرعن وغير المسؤول تحت عنوان ( الغاية تبرر الواسطة ) ، ام هو دليل قاطع على مدى هزال وارتجالية القادة الأوروبيين والأمريكيين ، الذين فرزهم الواقع السياسي الغربي في هذه المرحلة ، ليكونوا شهوداً على التغييرات التاريخية المفصلية ، وذلك بإنهاء وحدانية القطب العالمي الأوروبي الأمريكي المتوحش ، وولادة القطب المشرقي الجديد بقيادة روسيا والصين ، والذي سيقيم حالة توازن عالمية لأول مرة في التاريخ الحديث ، بعد تخلخل الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي ، وإيقاف حالة التغول الوحشية في دماء شعوب العالم الثالث الفقيرة ، ( الصومال ، واليمن ) وغيرهما التي كان يمارسها القطب الأمريكي السادي .
.
على العالم أن يعترف أن جذوة الهجمة الأمريكية ، قد كسرت نصالها في سورية ، وهذا يؤكد خسارة جميع الدول المشتركة في الحرب ، مع أجهزتها الاستخبارية والعسكرية ، وبخاصة ممالك العهر والغباء والرجعية العربية ، وهذه الخسارات المدوية ستخلف ردود فعل وعقابيلاً توازيها ، على جميع الدول المشتركة في الحرب ، كلٌ بحسب دوره والأهداف التي جاء من أجلها ، وهذه الخسارات سيقابلها انتصارات ستنعكس ايجاباً على جميع الحلفاء والأصدقاء ، كل بحسب حجمه ودوره في المنطقة ، وأهم تلك الدول روسيا والصين والهند ومعهما باقي دول البركس ، وايران والعراق وسورية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن الانتصار المدوي والأكبر والأهم لشعوب المنطقة ، والذي يمكن أن نعتبره نقطة قطع مع الفكر الاسلامي السلفي الماضوي ، الذي أنتج الارهاب القاتل ، المسؤول عن قتل الملايين من ابنائنا ، أو يجب أن يكون ، أو الذي يجب أن نعمل على تأكيده ، بجميع تشكيلاته وتلاوينه من الوهابية إلى الاخونج ، لأننا بذلك ولأول مرة نطلق العنان للعقل لينطلق من عقاله ، منذ أن سفهه الغزالي بكتابه ( تهافت الفلسفة ) بل وقبله بكثير .
وهذا يتطلب منا دعم الانتصار بكل طاقاتنا بشكل ايجابي ، ليس بالسلاح وحده بل بالكلمة المسؤولة ، وعدم تسريب نضالنا في زواريب ضيقة ، يمرق منها المعارضون العملاء .
….. وعلينا أن نثق أن الانتصار القادم سيجب ما قبله لأن الماضي لم يعد يستوعب المستقبل الواعد .