صحيح فقدت مدرستي وهجرت من حارتي وخسرت رفاقي وناسي وأصحابي وتركت كل أشيائي التي أحبها.لكننا اليوم اكتسبنا مدرسة بحجم الوطن وبيتنا مساحته مساحة سورية ورفاق وأهل وأصدقاء عددهم بالملايين إذ أصبح بيتي هو كل بيت وكل شخص هو أخ أو ابن لي.
لم تكن تدري أن مرارة الأزمة وكل مايحيط بها من مآس وويلات يمكن أن ترخي وتفرج سلبا وايجابا بتداعياتها علينا نحن المهجرين من كل الاتجاهات من هذه الأرض العزيزة إلى أن وجدنا أنفسنا في أمكنة عدة قد جهزت وأعدت خير إعداد لاستقبال البشر من أسر وعائلات بالمئات بالآلاف لنصبح جميعا عائلة كبيرة مدعومة من مراكز الإيواء.
هذه المراكز التي تبذل فيها ومن أجلها الجهود الكبيرة والمستمرة على أعلى المستويات وبمشاركة واسعة من متطوعي أبناء وشباب وعمال هذا الوطن.
ماتقدم هو مجرد صورة صغيرة ومشهد من آلاف المشاهد نقلها وتحدث عنها عدد لابأس به ممن هم اليوم يعيشون بين جدران كانت لفترة قريبة تضج بصخب وأصوات التلاميذ من مختلف الفئات وتحت سقف أصبح اليوم مركزاً للإيواء.. حيث تقدم فيها مختلف أنواع الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية والثقافية ومجموع الأنشطة الترفيهية.
فالمسألة هنا وفي تلك المراكز وغيرها ممن تحتضن هؤلاء أصبحت في عرف السوريين اليوم هي مراكز تحد للإرادة الصلبة التي عمدت بالصبر وبروح الاصرار والعزيمة على أن الحياة ستستمر وسورية تستحق التضحيات الجثام والحياة من قبل جميع أبنائها صغاراً وكباراً.
ركن صغير
إحدى الأمهات كانت تجلس في إحدى زوايا حديقة مدرسية (مركز الإيواء) اقتربت منها وهي تجمع أطفالها الثلاثة بجانبها..
وبعد السلام والكلام والنظر برهة في عينيها تأملتني هي أيضاً وقالت لي: يا ابنتي هذا قدرنا وهذا نصيبنا ونحن مسلّمون به ولكن ياصديقتي الآن وفي هذه الأيام وهذه اللحظة عرفت أنا وغيري الكثير الكثير معنى أن تكون سورية بل وسوري بامتياز.
أنا مهجرة من ريف حلب تحكي قصتها قطعت والعديد من أمثالي مسافات طويلة لنخرج من تحت سطوة الارهاب وهؤلاء القتلة الذين هجموا علينا كالجرذان بل الجراد الذي لايترك وراءه لا الأخضر ولا اليابس إذا ماغزا مكان ما وحينها لم نكن نملك الحيلة الكافية للمقاومة والصمود فالعين لاتقاوم المخرز كما يقولون في بعض الأحيان والأوقات.
لكن حب السوريين لبلدهم أقوى من كل سلاح ورصاص غدر ووحوش بشرية إرهابية.
وتضيف قائلة لي وأنا صامتة استمع لها بكل احترام صحيح تركنا الغالي والرخيص وما نملك في قرانا ومدننا وذكرياتنا وشقوة عمرنا في ديارنا ومنازلنا ولكن الدرس الذي تعلمناه جميعا في هذه المدرسة التي أصبحت مركزاً للإيواء وبدلاً من أن تعلم أبناءنا الطلبة في المراحل الابتدائية أصبحت سورية تعلم أبناءها من مختلف الأعمار.
والتعليم هنا ليس للحروف وقواعد اللغة والشعر والنثر وحل المعادلات الرياضية والحساب والجغرافية والتاريخ وفن الطبخ وحسن التدبير المنزلي.
بل أصبح التعليم هنا ونتيجة لما حل ببلدنا أعمق وأكبر وأشمل لمعرفة كيف نخوض فنون الحياة وكيف نعيش في ظل الظروف الطارئة والحالات المباغتة بمرها وحلوها بقسوتها ولينها.
نحن يا ابنتي جمعتنا اليوم لفظة واسم وعنوان اسمه سورية، سورية بكل طيفها ولونها وشكلها بأرضها وسمائها بشجرها ووردها وزراعتها.
نحن نعيش في العاصمة دمشق وكل محافظة آمنة من الارهاب أصبحت عاصمة وكل موطىء قدم فيها هو دار ومنزل وبيت ومدرسة ومشفى وجامعة.
فما يقدم لنا ليس بالقليل رغم كل ماخسرناه وخسرته الدولة بلدنا العزيز من مقدرات ومقومات زراعية وصناعية وانتاجية وتقنية وتعليمية على جميع المستويات.
لذلك كله نقول نحن بألف خير رغم حجم المرارة وسوف نعود قريباً بإذن الله إلى تلك الحجارة المهدمة بفعل الاجرام ونعمرها من جديد ونبني المستقبل والأمل ونرفع علم سورية في كل مكان حيث نحن وحيث الوطن بعد أن حفظناه في القلب والوجدان ورفعناه على الجباه بالسواعد فوق الأمكنة والعمران فسورية لايليق فيها وبها إلا الرقعة والشموخ وشجاعة الأبناء.
الثورة