نهله البدوي
لاشك أن الموسيقا هي الأم الحقيقية لعائلة الفنون بأكملها ،وهي لغة اللغات والأحاسيس والمشاعر بكل ماتحمله من شحنات وانفعالات وخلجات وملكات عابقة بشذى السمو والإرتقاء ..وقد اكتشفت الموسيقا وتطورت لتلبية احتياجات المستمع وللتعبير عن افكار ومواقف تجاه قضايا عديدة .فهي ذات خصائص نفسية لما تحتويه من الدهشة والشغف.
*يقول الموسيقي “أحمد قشقارة “نبض القلب موسيقا ..نسيم الصبح وقطرات الندى موسيقا ..أوراق الخريف وهدير الموج وصمت القبور وأنين الثكالى وتعاقب الثواني السرمدي ورقصات النجوم والكواكب والمجرات وتدرجات اللون بعيد الغروب وقبيل إنتشار الخيوط الأولى لشمس صبح جديد موسيقا ..كل مافي الكون موسيقا ..
*الموسيقا ..غذاء الروح ،ففي الحضارات القديمة لعبت الموسيقا أدوراـ كبيرة في اساطير تلك الحضارات ،وهذا الفن النبيل له الدور الأساسي في تكوين شخصية الإنسان .
*جاء في وصية الموسيقي العبقري “بتهوفن”لشقيقه وذلك بعد أن أصابه الصمم:
(لكم ٦ن تتصوروا مقدار ومدى الصدمة التي واجهتها من جراء عاهتي ،وأريد أن أقول لكم “تكلموا بصوت أعلى ،اصرخوا في أذني لأنني أصم.” ويلي ماأشد مهانتي عندما يكون أحد الناس قريباً مني وهو يستمع الى صوت الناي الصادر من بعيد في حين لاأسمع أنا شيئاً)
* الموسيقا أداة تخضع للفكر ،والفكر هوالذي يسير الروح والطاقات الموجودة داخلنا ،فمايحمله الفكر بأكمله تحمله الموسيقا .وقد قيل ان الموسيقا متهمة بأنها لاتصل الى منطقة الحلم التي وصلت اليها الموسيقا الغربية هذا لأننا أمة احلامها فردية ولاتقبل الرأي الآخر ..فالموسيقا مهمة في حياتنا والذائقة الموسيقية يجب أن تؤسس بشكل جيد لتكبر وتنمو بشكل سليم حتى تضمن لنا البقاء والإستمرار ..وعندما نتبنى هذا الحلم المشروع نكون قد حققنا مستقبلاً مليء بالأحلام التي لاتشبه الغرب ..فشرقنا مليء بالخصوصيات التي تليق به وهذه الخصوصية هي التي تشكل الحلم وماتحتويه من رؤية وملامح بيئية وثقافية .
*لطالما الحكمة تقول:إذا أردت أن تعرف حضارة أمة ،فعليك بموسيقاها …(متى عقد العزم ..اتضح الطريق )
ثمة بوادر ذات قيمة اصيلة ..عادت لتصدح وتبرق وتعلن العودة الى احياء التراث الفنائي والموسيقا ..لتعانق الفرح المتشرب في اعماق التوق لفضيلة الأصالة في تاريخ وحضارة بلادنا الناهضة اكثر بثقافاتها المتنوعة المحافظة على عرشها بنشوة الماضي وزهوة الحاضر وحلم المستقبل .
*يقول الموسيقي المسرحي “شريف خازندار ” من الخطأ أن ندير ظهرنا للموسيقا العربية ..فلكل شعب مشهديته المستقاة من مرجعيته الثقافية ،يجب الا ندير ظهرنا للموسيقا الغربية التي ليس لها اصل في بلادنا ..
وهذه الحقيقة النبيلة تجسدت يوم امس في صالة المركز الثقافي فقد قدمت مديرية المسارح والموسيقا أوركسترا “صبا”للفنان العبقري الأصيل شادي نجار وفرقته الموسيقية الرائدة مجموعة من المقطوعات الموسيقية ذات أصداء راقية في الانتماء والتجذر والوفاء للوطن الأم سورية ولبلده الكبير حلب بشموخ قلعتها الأبية .
هاهو الصوت العذب مجدداً يطل علينا بثقة وروعة ورقي الفنانة المبدعة رائدة الحضور “رنا معوض”،لترجع حنين الإلفة وتمحي وحشة الأمكنة التي شوهتها الحرب الجائرة على بلادنا “حلب الشامخة” بأغنية “سأمر من عينيك “وكأنها “بولمينا المتأهبة على الدوام للشدو والفناء حباً وإكراماً للحياة وتقابلها “واتربي”تتابع العزف بموسيقاها الرائعة بكوارال موسيقي اكثر من رائع .
*يقول أحد الموسيقين أن تعامله مع ألاته الموسيقية هي افضل شيء في حياته ،لأن أصابعه قادرة على قول الكثير من تناقضات الحياة ..
فالموسيقا كائن حي لابد من تحريكه ليكون ضمن التفاعلات الثقافية ..تفتح نوافذ الحرية وتعمل على التخلص من شحنات التوتر والضيق الذي هو نتاج ظروف وضعوط يومية ..وهي جملة من الظواهر المركبة بأبعادها المتعددة .ومن خلال منظارهم المرهف …يبدعون ويبتكرون الحياة …الحياة .
*تحية من القلب للفنان المبدع الرائع الموسيقي العريق شادي نجار والتحية لروعة الفرقة الموسيقية ..وللمغنية الكبيرة العريقة رنا معوض ..
تحية لمديرية المسارح والمركز الثقافي بكل كادره الجميل ..لجميل ماقدمه لنا من فن وجمال وخلق اخر للحياة الحالمة بكل خير ووئام تمنحه موسيقانا الراقية …اسمها حضارة سورية شامخة ابد الدهر ..
*****************