بقلم بوحدادة رتيبة
ارتدت أجمل ملابسها وتعطرت بأفخر العطور بعد أن تجملت بسكب القليل من المساحيق على وجهها الذي كان أشحب اللون، أخفت الملابس الأنيقة و اللمسة السحرية للمساحيق حقيقة ما يدور في العقل من أفكار متداخلة ومتشابكة وسترت ما يخفيه القلب من خذلان،من جروح ومن أحزان.
أغلقت باب الشقة باحكام وخرجت بعد أن تأكدت من أن تبدو مشيتها كمشية الفتاة القوية والواثقة من نفسها،ليس غرورا ولا عزة نفس زائدة،اختارت أن تبدو سعيدة أو أقل حزن مما هي عليه،هي لا تعلم أن الكم القليل من المحسنات الذي ستر الكثير من الحسرات سوف يجعلها محسودة من جارتها التي أطلت من البالكونة: إنني أحسدها،كم هي جميلة،إنها تبدو سعيدة،ليتني مثلها……
تصل رهف مكان عملها،تدخل المكتب وكلها نشاط وحيوية،تلقي تحية على الجميع دون استثناء،فهي لا تريد أن توتر علاقاتها أكثر،فمن الأحسن رسم صور جميلة للبشر المحيطين بك حتى وإن كانوا عكس ذلك،لا لشيء ..إلا من أجل صحتك النفسية.
تقول: صباح الورد يا نادية الجميلة،أهلا سلوى ياصاحبة البسمة الحلوى….هكذا حتى تضمن يوما أقل ضجيج. تباشر عملها بإتقان،متناسية مايدور من تزاحم وتصادم داخل نفسها..هي تؤجل هذا للمساء،لدي الوقت للجلوس معك أيتها الأفكار،انتظريني … هههه
تلتحق مريم،تبادر رهف بإلقاء التحية خشية أن تكتشف مريم شيئا،فهي معروفة بفطنتها،حقيقة إن كل ما يزرع في أنفسنا ينبت سريعا على ملامحنا،فمهما حرصنا على إخفائه إلا أنه يباغتنا على حين غفلة و سوف يتمكن الشخص الفطن من ملاحظة ذلك. هي لا تريد أن يسألها أحد مابك؟ لماذا تبدين هكذا؟!! فإظهار ضعفنا أو حزننا سوف يدفع الكثير لطرح الأسئلة، حينها لا السكوت يكون جوابا ولا الكلام يحل المسألة.
في فترة الراحة تطرق الأفكار مخيلة رهف وتذكرها بأنها يجب أن تجد حلا قبل تأزم الوضع أكثر،وضع جعلها تصدق أن الإنسان يمكنه الإحساس بأن قلبه به كسور أشد تهشم من حطام الزجاج الهش،به جروح أعمق من تلك التي يحدثها السكين الحاد،يزداد الإحساس بالانكسار و الجروح كلما لامس دمع الجفون الخد.
تنهي رهف عملها وتعود إلى شقتها وهي تحمل ذاتها على ضرورة الثبات على وتيرة الاتزان وعدم الميلان إلى غاية دخولها غرفتها،تفتح الحاسوب،تعيد قراءة التقرير مرارا وتكرارا،تحتسي رشفة قهوة كي تفكر بعمق….بعد ساعة من التفكير تخط أخيرا رسالة مفادها،” لقد قبلت العرض”.