منيرة أحمد – نفحات القلم
خلال إعادة القراءة لأي لقاء مع مبدع من أي اختصاص قد نجد هفوة أو ضعفا أو خيطا رفيعا يجعلنا وبسرعة نحكم على الضيف , لكن مع ضيفنا لابد من إعادة القراءة بالكثير من التمعن ففي إجاباته طروحات ومرايا عاكسة للكثير مما يشجن من حال الثقافة وقد رصده الضيف بحرفية ولا غرابة في ذلك فهو ليس فقط شاعر بل ناقد ينشد التقويم , وكل فكرة لديه تحتاج إلى مقدمة
بكل الترحيب نبقى في هذا الحوار مع الناقد والشاعر أحمد علي هلال
أعده للموقع الزميل فؤاد حسن حسن
س: حدثنا عن بداياتك الأدبية (مسيرتك الأدبية)؟.
** نشأت وسط أجدادي الشعراء، الذين كانوا يتبارزون بالشعر (النبطي)، وشغفت بطرائق رويهم للسير الشعبية، هذا خلق لدي قابليةً وميلاً لمحبتي الأدب وفنونه، فانتقلت من مرحلة الاصغاء إلى القراءة في سن مبكرة، فكنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي من كتب ومدونات وأوراق، وتختزن ذاكرتي تلك العوالم المدهشة التي لم قد قدر لي آنذاك تفسيرها، إذ كانت بذرة ما تنمو داخلي دون أن أدري، كانت بذرة النقد، وهكذا مع الدراسة والعمل استطعت أن أكون في كبريات دور النشر قارئاً ومحرراً، لأجد نفسي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بين عمالقة الثقافة والكتابة (عبد الرحمن منيف سعد الله ونوس جابر عصفور فيصل دراج) وغيرهم وكنت أعمل معهم كتفاً بكتف في مطبوعة شهيرة كان اسمها (قضايا وشهادات) إلى أن أنهيت التعليم في حقل الإعلام وبدأت بكتابة الزوايا في كبريات الصحف العربية والمحلية فضلاً عن ممارسة النقد بفنونه جميعها تقريباً، انطلاقاً من ذائقة ومعرفة وخبرات جمالية اكتسبتها بفعل الاحتكاك بالكتاب مباشرة، وبأجيال من المثقفين العمالقة كان آخرهم يوسف سامي اليوسف
. س: ما هي الظروف ومن هم الأشخاص الداعمون لك؟.
**لم تكن ظروف الدراسة كما القراءة مناسبة تماماً نظراً لأنني عملت في المهن الحرة، إلى جانب الدرس لأقف إلى جانب أسرتي ووالدي رحمه الله بشكل خاص، الذي كان يقتطع مصروف العائلة ليؤمن لي المراجع المناسبة، ويدفعني إلى الدورات التعليمية الغالية آنذاك وفي وسط العاصمة دمشق، حقيقة نشأت نشأة عصامية لكنني كنت أصغي تماماً لمن يمكن تسميتهم بالكبار في الحقل الثقافي مع القدرة على محاورتهم ومفاجأتهم بقراءاتي العميقة، وبمعنى آخر نشأت صداقات بيني وبين أعلام الكتابة، كانت صداقات إبداعية ونقدية أكثر منها شخصية وتعلمت في الحوارات معهم اكتساب منهجية في الكتابة ومنها الذهاب إلى ما أدعيه باكتسابي أسلوبي الخاص، لا سيما وأني حاولت الكتابة مبكراً في الشعر (قصيدة النثر)، والقصة ولي ستون قصة نُشر بعضها في الصحف والمجلات المتخصصة، لكنني وجدت أن ذلك ليس سبيلي فقد اختطفني النقد لأرتطم بعوالمه الممتعة والصعبة بآن معاً
. س: هل يمكن أن تسجل لنا القصة أو القصيدة الأكثر قرباً منك، وما هي أعمالك الأدبية؟.
**في قراءاتي الأولى أكثر ما استوقني الأدب الروسي ومنه بالذات ما كتبه ديستوي فسكي في روايته بجزئيها (الأبله)، وقصيدة الشاعر الراحل محمود درويش (أحمد العربي) التي أجدها تشبهني إلى حد كبير، والأقرب لدي هنا هو الإبداع الحقيقي وقدرة كاتبه على أن يخلق التأثير الحقيقي في ذات متلقيه، لأقول مثلاً إن الرواية هي من يجذبني على الرغم من أنني انحزت في بداية تكويني إلى الرواية الأجنبية، نظراً لشغفي بتقنياتها وليس موضوعها فقط. أما أعمالي الأدبية، فلدي مخطوطان للأسف ذهبا مع مكتبتي ولا أعلم شيئاً عنهما في بيت العائلة نتيجة التهجير القاس الذي دفعنا أثمانه الباهظة لأخرج من البيت فقط بثيابي، وأحاول الاعتماد على ذاكرتي لأستعيد ما يمكن استعادته، رغم مواصلتي الكتابة الصحافية والنقدية. الأول هو في نقد الأدب النسوي، والثاني النقد الأدبي العربي الإنجاز أم التنظير( وهما جاهزان للطباعة)
. س: في رأسك متى ينتهي الكاتب فنياً؟
>ينتهي الكاتب ولا تنتهي الكتابة، وأفهم من السؤال وكأن الكاتب يبلغ سن التقاعد وبتعبيري سن اليأس الإبداعي، لكن الكتابة التي لا تصدر عن الروح الخالبة وعن الحدس المتبصر وعن التجربة الملونة لا تضيف شيئاً، وكم من كاتب/كاتبة اجترا كتاباتهما إذ لم تكن هذه سوى عود على ذي بدء، أي على ما بدءا منه
. س: رأيك بالأدب اليوم بشكل عام؟.
**الأدب انعكاس للحياة بتجلياتها، ولنقل إنه انعكاس للثقافة السائدة لكنه ليس انعكاس تماماً بقدر ما هو رؤية في هذا الواقع، وأرى أن ثمة أدباء مازال أدبهم حياً، إذ مُنحوا فطرة الكتابة وعمق الثقافة وتكامل الأدوات، وسواهم مازال في شغف الكلام بسبب انقطاع مرجعيات ما يكتب عن الثقافة الحقيقية. س: هناك ما يصنف شعراً ولا علاقة له بالشعر ولا بالأدب،
من الذي يصنف هذا الشعر وسواه؟
. ** على الأرجح أن المبدع لا يستطيع تصنيف نصه، إذا أردت مقاربة السؤال من زاوية أخرى، وإنما يتواضع النقاد على تسمية النص إحرازاً لتجنيسه الأدبي وفق ذوائقهم وخبراتهم، وأجهزتهم المعرفية، فكثيراً من الأعمال الأدبية تجد أن صاحبها يكتب كلمة (نص مفتوح أو نثر) وغير ذلك وهذا برأي حذر من استحقاق التجنيس الإبداعي، وهذا لا ينفي على الإطلاق أن المبدع يستطيع تجنيس نصه لكن بدرجات متفاوتة
. س: من يعجبك من الشعراء وكتاب القصة؟. **
يعجبني أولئك الذين جاؤوا من المستقبل، والذين تُحيل كتابتهم إلى خصوبة معاجمهم ومرجعياتهم، والأكثر دلالة في هذا الاتجاه من كانت نصوصهم كبيرة وليست أسماؤهم فحسب، سواء في الشعر أم القصة، لأن ما يبقَ هو النص وليس صاحبه، والكثير من الأعمال هي أصبحت أصحابها
. س: في رأيك كيف يمكن للشعر، أو القصة أن يكونا مؤثرين في تحسين العلاقات الاجتماعية؟.
** الابداع عموماً هو فعالية ارتقاء، وهو استشراف وفضلاً عن ذلك هو حوار مع الذات والعالم والآخر، فإذا كان المبدع في القصة أو الشعر قد أدرك ماهية إبداعه التي تُحيلنا رؤيته من العالم، استطاع الارتقاء بمنظومة العلاقات الاجتماعية والإنسانية على حد سواء، لأنني دائماً أسير سؤال كبير، لمن يكتب الكاتب؟ وهذا ما يُحيلني إلى ما كتبه سارتر يوماً في كتابه الكبير (ما الأدب) وبالمقابل ما كتبه الناقد الراحل يوسف سامي اليوسف عام 1981، في كتابه الأشهر (ما الشعر العظيم)، وبذلك أجيبك إن لم تكن الحساسية هي المنطلق في التأثير والذهاب إلى العمق وسيلةً وإنتاج المعنى غايةً، لا ترتقِ علاقاتنا الأدبية والاجتماعية، فنعود إلى فكرة الأديب الذي يخاطب قارئيه من برج عالٍ، فالغاية من الأدب أن يكون سامٍ ورافعة وحامل لتنهض الحياة الثقافية بتضافر كل ممكنات الإبداع وفنونه.
س: برأيك هل تفضل الشعر العمودي أم الموزون، أم الشعر الحديث؟ أفضل الإبداع الحق وفي أي صورة جاء، المعيار هنا هو معيار الموهبة والثقافة والإضافة، وبطبيعة الحال دون أن ينغلق الكاتب على نمط بعينه فيقتل الإبداع، ويذهب إلى التشابه المذموم، وأعتقد أنه في حوار الأجناس الإبداعية وانفتاحها ينفتح الابداع أكثر، وهذا رهن بتراكم تجربة المبدع وتكامل أدواته ورسوخ معرفته، لكنني أميل إلى أن لحظتنا المختلفة والمتغيرة تستحق إبداعاً مختلفاً، وما أراهن عليه إذن هو (عرّابو الإبداع) الذين ينقلوننا من التشابه إلى الاختلاف الجميل، والقلة منهم في قصيدة النثر تستطيع أن تجيد، لكن ليس كل من كتب النثر بتوهم أنها قصيدة نثر، هو كتبها حقاً لتعدو سياحة في المتداول أو الغريب أو المبهم، فهذه تحتاج لثقافة حقيقية ومتكاملة، وفي الشعر الحديث سنختلف كثيراً على مفهوم الحداثة وتجلياتها، ليس توثيناً لأسماء بعينها بقدر ما هو بحث عن علامات مستحقة، جعلت من الحداثة انفتاحاً على الآخر وانسجاماً مع منطق العصر.
س: ما الذي لم نقله بعد في قناعتك؟
. ** أنطلق من وصفي النقد بأنه غابة الشجون، لأنه لم يعد معيارياً بل أصبح (سوقاً) ليُتداول فيه الكلام عن النقد وليس الكلام بالنقد، فضلاً عن اندياح اللغة النقدية فيما يمكن تسميته بالممارسات النقدية السائدة في الأعم الأغلب، وهذا ما يشكل الكثير من هواجسي وصمتي ومحاولتي الاشتغال على مشروعي الخاص، بعيداً عن تجاذبات واستحقاقات الوسط الثقافي الذي يمور بغير حراك، وما زلت أنتظر القيمة في هذا الحراك
. وفي النهاية الشكر الكبير لموقع وصحيفة نفحات القلم و للأديبة والشاعرة منيرة أحمد وللشاعر والإعلامي الصديق فؤاد حسن ومزيد من التألق.